شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المراضع من المواليات وغيرهنَّ

          ░16▒ بَاب الْمَرَاضِعِ مِنَ الْمَوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ(1)
          فيه: أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبيِّ صلعم قَالَتْ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أبي سُفْيَانَ، فقَالَ: وَتُحِبِّينَ ذَلِكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي في الْخَيْرِ أُخْتِي، فَقَالَ: إِنَّ(2) ذَلِكِ لا يَحِلُّ لي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أبي سَلَمَةَ، قَالَ: بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فقَالَ: فوَاللهِ(3) لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي في حِجْرِي مَا حَلَّتْ لي، إِنَّهَا بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَليَّ بناتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ). [خ¦5372]
          وَقَالَ عُرْوَةُ: ثُوَيْبَةُ أَعْتَقَهَا أَبُو لَهَبٍ.
          قال المُهَلَّب: الترجمة صحيحةٌ، وكانت العرب في أوَّل أمرها تكره رضاع الإماء، وتقتصر على العربيَّات من الظؤورة، طلبًا لنجابة الولد، فأراهم النبيُّ صلعم أنَّه قد رضع في غير العرب، وأنَّ رضاع(4) الإماء لا يهجن.
          وفيه: أنَّ الأخوة بالرضاع حرمتها(5) كحرمة الأخوة من النسب.
          وقول النبيِّ صلعم: (بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟)، إنَّما هو على وجه التقرير على تصحيح المسألة؛ لأنَّه قد كان يجوز للنَّبِيِّ صلعم أن ينكح بنات أبي سلمة من غير أمِّ سلمة(6) زوج النبيِّ صلعم؛ لأنَّ الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها حلالٌ عند جماعة الفقهاء؛ لأنَّه ليس بينهما نسبٌ، وقد تقدَّمت هذه المسألة في كتاب النكاح في باب ما يحلُّ من النساء ويحرم. [خ¦5105]
          وقوله في الترجمة: (المَوَالِيَاتِ)، كان الأقرب أن يقول: الموليات جمع مولاةٍ، و (المَوَالِيَاتِ) جمع مولى(7)، جمع التكسير، ثمَّ جمع موالي جمع السلامة بالألف والتاء، فصار مواليات جمع الجمع، والله الموفق.
          مسألة الكفلاء الستَّة: وذلك أنَّ رجلًا باع لستِّ رجال سلعةً بستمائة درهمٍ: زيدٍ وعمرٍو وعبد الله وسليمان وعبد الصمد وعبد الواحد، فلقي ربُّ المال زيدًا، فأخذه بالستِّمائة، ثمَّ إنَّ زيدًا لقي عمرًا، فقال له زيدٌ: أعطني ما أعطيت عنك، وذلك مائة درهمٍ ومائتين من قبل الكفالة التي تكفَّلنا بها، فيصبح على عَمْرٍو ثلاثمائةٍ و على زيدٍ ثلاثمائة.
          ثمَّ إنَّ عبد الله لقيه عَمْرٌو، فقال له: أعطني خمسين أدَّيتها عنك، وأنا وأنت كفيلان بمائةٍ وخمسين، فيكون عليك النصف منها وعليَّ أنا النصف، وذلك خمسةٌ وسبعون، فقد أدَّيت بالكفالة خمسةً وسبعين، وكذلك أنت أيضًا، فجملة ما أدَّى عبد الله خمسةٌ وعشرون ومائةٌ.
          ثمَّ إنَّ عبد الله لقيه زيدٌ، فقال له زيدٌ: أعطني ما أدَّيت عنك، وذلك خمسةٌ وخمسون ومائةٌ بيني وبينك من الكفالة، فقال له عبد الله: فقد أدَّيت أنا أيضًا لعمرٍو خمسةً وسبعين من الكفالة، فنقسم أنا وأنت المائة وخمسين والخمسة وسبعين، وذلك مائتان وخمسةٌ وعشرون، اثنا عشر ونصفٌ ومائةٌ عليك، وكذلك عليَّ أيضًا.
          ثمَّ إنَّ سليمان لقيه زيدٌ، فقال: أدَّيت اثنا عشر ونصفٌ ومائةٌ من قبل الكفالة، وعليك منها الثلث، وذلك سبعٌ وثلاثون ونصف، وتبقى خمسةٌ وسبعون / بيني وبينك من الكفالة، فيجب عليك منها سبعةٌ وثلاثون ونصفٌ.
          ثمَّ إنَّ سليمان لقيه عَمْرٌو، فقال له: أعطني ما أعطيت عنك؛ لأنِّي أعطيت من قبل الكفالة خمسةً وسبعين، عليك منها الثلث، وذلك خمسةٌ وعشرون، ثمَّ أقسم أنا وأنت خمسين التي بقيت، فقال له سليمان: قد أدَّيت لزيد أنا سبعةً وثلاثين ونصفًا من طريق الكفالة، فاجمع خمسين وسبعة وثلاثين ونصفًا، فذلك سبعةٌ وثمانون ونصفٌ، النصف منها ثلاثةٌ وأربعون وثلاثة أرباعٍ على كلِّ واحدٍ منا.
          ثمَّ إنَّ سليمان لقيه عبد الله، فقال له: يا عبد الله، أعطني ما أدَّيت عنك وذلك ثلث اثني عشر ونصف ومائةٍ، وهو سبعةٌ وثلاثون ونصفٌ، وتبقى خمسةٌ وسبعون أدَّيتها بالكفالة أغرمها أنا وأنت، قال له سليمان: قد أدَّيت أنا أيضًا ثلاثةً وأربعين وثلاثة أرباعٍ، فتجمع خمسةً وسبعين مع ثلاثٍ وأربعين وثلاثة أرباعٍ، فجملة ذلك مائةٌ وثمانية عشر وثلاثة أرباعٍ، عليك منها النصف، وذلك تسعةٌ وخمسون وثلاثة أثمانٍ، وكذلك عليَّ أنا أيضًا.
          ثمَّ إنَّ عبد الله لقيه زيدٌ، فقال له زيدٌ: قد بقي لي ممَّا أدَّيت من الكفالة سبعةٌ وثلاثون ونصفٌ، فعليك النصف منها، وذلك ثمانية عشر وثلاثة أرباعٍ، ثمَّ أقسم معك ما بقي، وذلك ثمانية عشر وثلاثة أرباعٍ، فيجب عليك تسعةٌ وثلاثة أثمانٍ من طريق الكفالة، وكذلك عليَّ أنا أيضًا.
          ثمَّ إنَّ عبد الصمد لقيه عَمْرٌو، فقال: أعطني ما أعطيت عنك، وذلك نصف ثلاثةٍ وأربعين وثلاثة أرباع، وأخذ منها نصفًا وهي أحدٌ وعشرون وسبعة أثمانٍ، ثمَّ إنَّ عمرًا يقول له: أقسم معك أحدًا وعشرين وسبعة أثمانٍ، فيقول عبد الصمد: قد أدَّيت أنا أيضًا من طريق الكفالة تسعةً وثلاثة أثمانٍ، فيجتمع أحدٌ وعشرون وسبعة أثمانٍ مع تسعةٍ وثلاثة أثمانٍ، فذلك ثلاثون وعشرة أثمانٍ على كلِّ واحدٍ منهما خمسة عشر وخمسة أثمانٍ.
          ثمَّ إنَّ عبد الصمد لقيه عبد الله، فقال له عبد الله: أعطني ما أعطيت عنك، وذلك نصف تسعة وخمسين وثلاثة أثمانٍ، فقال له عبد الصمد: نعم، هي لك عليَّ، وذلك تسعةٌ وعشرون وخمسة أثمانٍ ونصف ثمنٍ، ثمَّ إنَّني أقسم معك ما بقي، وهي تسعة وعشرون وخمسة أثمانٍ ونصف ثمنٍ، فقال له عبد الصمد: قد أدَّيت أنا أيضًا خمسة عشر وخمسة أثمانٍ، فاجمع ذلك وهو خمسةٌ وأربعون وثمنان ونصف الثمن، فيجب عليك منها اثنا وعشرون وخمسة أثمانٍ وربع الثمن، وكذلك أنا أيضًا.
          ثمَّ إنَّ عبد الصمد لقيه سليمان، فقال له سليمان: أعطني ما أعطيت عنك، وذلك نصف تسعةٍ وخمسين وثلاثة أثمانٍ من طريق الكفالة، فأخذ منها نصفًا، وذلك تسعةُ وعشرون وخمسة أثمانٍ ونصفٌ، ثمَّ قال له سليمان: نقسم معك ما بقي، فقال له عبد الصمد: قد أدَّيت أنا أيضًا اثنين وعشرين وخمسة أثمانٍ وربع الثمن من قبل الكفالة، فجمعنا ذلك فهو اثنان وخمسون وثلاثة أرباع الثمن، وكذلك أيضًا أدَّيت أنا.
          هذه المسألة ليست من الشرح فتأمَّل حسابها.(8)


[1] في (ص): ((الراضع في المواليات وغيرهم)).
[2] في (ص): ((فإن)).
[3] في (ص): ((والله)).
[4] في (ص): ((رضاعة)).
[5] قوله: ((حرمتها)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((أم سلمة من غير أبي سلمة)).
[7] في (ص): ((موالي)).
[8] قوله: ((مسألة الكفلاء الستة: وذلك أن رجلًا..... هذه المسألة ليست من الشرح فتأمل حسابها)) زيادة من (ص).