شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها

          ░9▒ بَاب إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ / فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ
          فيه: عَائِشَةُ: (أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ، يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ). [خ¦5364]
          في هذا الحديث من الفقه: أنَّه يجوز للإنسان أن يأخذ من مال من منعه من حقِّه أو ظلمه بقدر ماله عنده، ولا إثم عليه في ذلك؛ لأنَّ النبيَّ صلعم أجاز لهندٍ ما أخذت من مال زوجها بالمعروف، وأصل هذا الحديث في التنزيل في قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}[النحل:126]، وقد تقدَّم في كتاب المظالم اختلاف العلماء في الذي(1) يجحد وديعةً ثمَّ يجد المودع له مالًا هل يأخذ عوضًا من حقِّه أم لا فأغنى عن إعادته(2)؟ [خ¦2402]
          وفيه: أنَّ وصف الإنسان بما فيه من النقص على سبيل التظلُّم منه والضرورة إلى طلب الإنصاف من حقٍّ عليه أنَّه جائز وليس بغيبةٍ؛ لأنَّ النبيَّ صلعم لم ينكر عليها قولها.
          واختلف العلماء في مقدار ما يفرض السلطان للزوجة على زوجها، فقال مالكٌ: يفرض لها بقدر كفايتها في اليسر والعسر، ويعتبر حالها من حاله، وبه قال أبو حنيفة، وليست مقدَّرةً. قال الشافعيُّ: هي مقدَّرةٌ باجتهاد الحاكم فيها، وهي معتبرةٌ بحال الزوج دون حال المرأة، فإن كان موسرًا فمدَّان لكلِّ يومٍ، وإن كان متوسِّطًا فمدٌّ ونصفٌ، وإن كان معسرًا فمدٌّ، فيجب لبنت الخليفة ما يجب لبنت الحارس.
          وحجَّة مالكٍ والكوفيِّ قوله: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ(3)}[الطلاق:7]ولم يذكر لها تقديرًا. وقال لهندٍ: (خُذِي مَا يَكفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعرُوفِ)، فلم يقدِّر لها ما تأخذه لولدها ونفسها، فثبت أنَّها غير مقدَرةٍ وأنَّها على قدر كفايتها، وإنَّما يجب ذلك كلِّه بالعقد والتمكين وهو عوضٌ من الاستمتاع عند العلماء.


[1] في (ص): ((فيمن)).
[2] قوله: ((فأغنى عن إعادته)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ)) ليس في (ص).