شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشركة في الطعام وغيره

          ░13▒ بَابُ الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ
          وَيُذْكَرُ أَنَّ رَجُلًا سَاوَمَ شَيْئًا، فَغَمَزَهُ آخَرُ، فَرَأَى ابنُ عُمَرَ أَنَّ لَهُ شَرِكَةً
          فيهِ عَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامٍ _جَدُّ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ_ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ(1) إِلَى السُّوقِ، فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ، فَيَلْقَاهُ ابنُ عُمَرَ وَابنُ الزُّبَيْرِ فَيَقُولاَنِ لَهُ(2): أَشْرِكْنَا، (فَإِنَّ النَّبيَّ صلعم قَدْ دَعَا لَكَ بِالبَرَكَةِ)، فَيَشْرَكُهُمْ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ، فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى المَنْزِلِ. [خ¦2501] [خ¦2502]
          الشَّركةُ بيعٌ مِنَ البيوعِ، فتجوزُ في الطَّعامِ وفي كلِّ ما يجوزُ تملُّكه عند جميعِ العلماءِ، وإنَّما اختلفوا في الشَّركةِ بالطَّعامِ، وإن تساووا في الكيلِ والقيمةِ، وسواءٌ كان(3) نوعًا واحدًا أو أنواعًا مختلفةً، وهو قول الشَّافعيِّ، وخالف ابنُ القَاسِمِ مالكًا، فقال: تجوزُ الشَّركةُ بالحنطةِ إذا اشتركا على الكيلِ ولم يشتركا على القيمةِ، وكانتا في الجودةِ سواءٌ.
          وأجازَ الشَّركةَ بالطَّعامِ الكوفيُّون وأبو ثَوْرٍ، وقال الأوزاعيُّ: تجوزُ الشرَّكةُ بالقمحِ والزَّيتِ لأنَّهما يختلطانِ جميعًا، ولا يتميَّزُ أحدهما مِنَ الآخرِ.
          قال إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ: إنَّما كره مالكٌ الشَّركةَ بالطَّعامِ، وإن تساوى(4) في الكيلِ والجودةِ لأنَّه يختلفُ في الصِّفةِ والقيمةِ، ولا تجوزُ الشَّركةُ إلَّا على الاستواءِ في القيمةِ، فاحتيج في الطَّعامِ أن يستوي أمرُه في الشَّركةِ في الكيلِ والقيمةِ، وكان أن لا يستوي(5) في ذلك لا يكادُ أن يجتمعَ(6) فيه فكرهه، وليس الطَّعامُ مثل الدَّنانيرِ والدَّراهمِ الَّتي هي على الاستواءِ عند النَّاسِ.
          وكان الأَبْهَرِيُّ يقول: قولُ ابنِ القَاسِمِ أشبه(7) لأنَّ الشَّركةَ تُشْبِهُ البيعَ، قال: وكما(8) جازَ بيعُ الطَّعامِ بالطَّعامِ إذا استويا في الكيلِ، وإن اختلفا في القيمةِ، فكذلك تجوزُ الشَّركةُ فيه.
          واختلفوا في الشَّركةِ بالعُرُوضِ، فقَالَ مالكٌ وابنُ أبي ليلى: هو جائزٌ، وقال الثَّوْرِيُّ والكوفيُّون والشَّافعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ وأبو ثَوْرٍ: لا يجوز ذلك، وقال(9) الشَّافعيُّ: لا تجوزُ الشَّركةُ في كلِّ ما يرجع في حالِ المفاضلةِ(10) إلى القيمةِ، إلى(11) أن يبيع نصف عرضه بنصفِ عرض الآخر ويتقايضا(12).
          وقال ابنُ المُنْذِرِ: إنَّما لم تجز الشَّركةُ بالعُرُوضِ لأنَّ رؤوسَ أموالِهم مجهولةٌ، وغيرُ جائزٍ عقدُ الشَّركةِ على مجهولٍ.
          وحجَّة مالكٍ في إجازةِ ذلك أنَّ الشَّركةَ إنَّما وقعتْ على قيمةِ العرضِ الَّذي أخرجَه(13) كلُّ واحدٍ منهما، فلم يكن رأسُ المالِ(14) مجهولًا، وأمَّا إجازةُ ابنُ عُمَرَ الشَّركةَ للَّذي غمز صاحبَه، فهو قولُ مالكٍ.
          قال ابنُ حَبِيبٍ: مِنْ قولِ مالكٍ في الَّذي يشتري الشَّيءَ للتِّجارةِ، فيقفُ به الرَّجلُ لا يقولُ له شيئًا، حتَّى إذا فرغَ مِنَ الشِّراءِ(15) استشركَه، فرأى مالكٌ أنَّ الشَّركةَ له لازمةٌ وأن يقضي بها لأنَّه أرفقُ بالنَّاسِ مِنْ إفسادِ بعضِهم على بعضٍ، ووجه ذلك أنَّ المشتري قد انتفعَ بتركِ الزِّيادةِ عليه، فوجبت الشَّركةُ بينهما(16) بسببِ انتفاعِه بذلك.
          وكذلك إذا غمزَه وسكتَ، فسكوتُه رضًا بالشَّركةِ لأنَّه كان يمكنه أن يقول له: لا أشركك، فيزيد عليه، فلمَّا سكتَ كان ذلك رضًا.
          قال عبدُ الملكِ بنُ حَبِيبٍ: وذلك لتجَّارِ تلك السِّلعةِ خاصَّةً كان مشتريها في(17) الأوَّلِ مِنْ أهل تلك التِّجارةِ أو غيرهم، قال: وكلُّ ما اشتراه لغيرِ تجارةٍ، فسأله رجلٌ أن يشركَه وهو يشتري، فلا تلزمه الشَّركةُ، وإن كان الَّذي استشركه مِنْ أهلِ التِّجارةِ.
          والقولُ قولُ المشتري مع يمينِه أنَّ شراءَه ذلك لغيرِ التِّجارةِ، قال: وما اشتراه الرَّجلُ مِنْ تجارته في حانوته أو في(18) بيته فوقفَ به ناسٌ مِنْ أهلِ تجارته فاستشركوه، فإنَّ الشَّركةَ لا تلزمه، / [وليس مثلُ اشترائه ذلك في غيرِ حانوته ولا بيتِه.](19)


[1] في (ز): ((يخرج بزهرة)).
[2] قوله: ((له)) ليس في (ز).
[3] زاد في (ز): ((الطَّعام)).
[4] في (ز): ((استوى)).
[5] في (ز): ((وكان الاستواء)).
[6] في (ز): ((يجمع)).
[7] في (ز) صورتها: ((أقتنى)) بدون نقط.
[8] في (ز): ((فكما)).
[9] في (ز): ((قال)).
[10] في (ز): ((المفاعلة)) وهو خطأ.
[11] في (ز): ((إلَّا)).
[12] في (ز): ((يتقابضا)).
[13] في (ز): ((قيمة العروض الَّتي أخرجها)).
[14] في (ز): ((مال)).
[15] في (ز): ((فرغ بالشِّراء)).
[16] في (ز) صورتها: ((منهما)).
[17] قوله: ((في)) ليس في (ز).
[18] قوله: ((في)) ليس في (ز).
[19] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).