شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب القران في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه

          ░4▒ بَابُ القِرَانِ فِي التَّمْرِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ). [خ¦2489]
          النَّهي(1) عن القِران في التَّمرِ عند العلماءِ مِنْ باب حسنِ الأدبِ في الأكلِ لأنَّ القومَ الَّذين وُضِعَ بين أيديهم التَّمرُ(2) كالمتساوين في أكلِه، فإذا استأثرَ أحدُهم بأكثرَ مِنْ صاحبِه لم يَجْزْ(3) له ذلك، ومِنْ هذا البابِ جعلَ أهلُ العلمِ النَّهي عن النُّهبةِ في طعامِ النَّثرِ في الأعراسِ وغيرها، لما فيه مِنْ سوءِ الأدبِ والاستئثارِ بما لا تطيبُ عليه نفسُ صاحبِ الطَّعامِ.
          وقال(4) أهلُ الظَّاهرِ: إنَّ النَّهي عن القرانِ على الوجوبِ لا على حسنِ الأدبِ، وفاعلُ ذلك عاصٍ لله ╡ إذا كان عالمًا بالنَّهي.
          ولا نقول إِنَّه أكل حرامًا(5) لأنَّ أصلَه الإباحةُ جملةً، والدَّليلُ على أنَّه على حسنِ الأدبِ لا على الوجوبِ أنَّ ما وُضِعَ بين أيدي النَّاسِ للأكلِ فإنَّما سبيله سبيل المكارمة لا على(6) التَّشاحِّ لاختلافِ النَّاس في الأكلِ، فبعضُهم يكفيه اليسيرُ، وبعضُهم لا يكفيه أضعافُه، ولو(7) كانت سهماتهم(8) سواءٌ، لما ساغ لمَنْ لا يشبعُه اليسيرُ أن يأكلَ أكثرَ(9) مِنْ مثلِ نصيبِ مَنْ يشبعُه اليسيرُ، ولمَّا لم يتشاحَّ النَّاسُ في هذا المقدارِ عُلِمَ أنَّ سبيلَ هذا المكارمةُ، وليس على معنى الوجوبِ، والله أعلم.


[1] في (ز): ((قال: النَّهي)).
[2] زاد في (ز): ((هم)).
[3] في (ز): ((يحمد)).
[4] في (ز): ((وقد قال)).
[5] في (ص): ((طعامًا)).
[6] في (ز): ((سبيل)).
[7] في (ز): ((فلو)).
[8] في (ز): ((سهمانهم)).
[9] قوله: ((أكثر)) ليس في (ز).