شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة

          ░11▒ بَابُ مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ وَالمُشْرِكِينَ فِي المُزَارَعَةِ
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم أَعْطَى خَيْبَرَ اليَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ(1) مَا يَخْرُجُ مِنْهَا). [خ¦2499]
          قال المُهَلَّبُ: كلُّ ما لا يدخله ربا ولا ينفردُ به الذِّمِّيُّ، فلا بأسَ بشركةِ المسلمِ له فيه، وهذه المشاركةُ إنِّما معناها معنى الأجرةِ، واستئجارُ أهلِ الذِّمّةِ جائزٌ حلالٌ(2)، وأمَّا مشاركةُ الذِّمِّيِّ ودفعِ المالِ إليه ليعملَ فيه، فكرهَه ابنُ عبَّاسٍ، وكرهَه الكوفيُّون، والشَّافعيُّ وأبو ثَوْرٍ، وأكثرُ العلماءِ، لما يختلف(3) عليه مِنَ التَّجر بالرِّبا وبيعِ ما لا يحلُّ بيعُه(4).
          وقَالَ مَالِكٌ: لا تجوزُ شركةُ المسلمِ للذِّمِّيِّ إلَّا أن يكونَ النَّصرانيُّ يتصرَّفُ بحضرتِه، ولا يغيبُ عنه في بيعٍ ولا شراءٍ(5) ولا تقاضٍ(6)، أو يكون المسلمُ هو متولِّي البيعَ والشِّراءَ، ورُوِيَ ذلك عن عَطَاءٍ والحَسَنِ، وبه قال اللَّيْثُ والثَّوْرِيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ.
          واحتجَّ مَنْ أجاز ذلك: بمعاملةِ النَّبِيِّ صلعم لهم في مساقاةِ خيبرَ، وإذا جازَ مشاركتُهم في عمارةِ الأرضِ جازَ في غير ذلك، واحتُجَّ لمالكٍ أنَّ الذِّمِّيَّ إذا تولَّى الشِّراءَ باعَ بحكمِ دينِه، وأدخلَ في مال المسلمِ ما لا يحلُّ له، والمسلمُ ممنوعٌ مِنْ أن يجعلَ مالَه متَّجرًا في الرِّبا والخمرِ والخنزيرِ، وأمَّا أخذُ أموالِهم في الجزيةِ، فالضَّرورةُ دعتْ(7) إلى ذلك، إذ لا مالَ لهم غيرها.


[1] في (ز): ((ويزرعوها بشطر)).
[2] قوله: ((حلال)) ليس في (ز).
[3] في (ز): ((يخاف)).
[4] زاد في (ز): ((وهو جائزٌ عندهم)).
[5] في (ز): ((في شراء ولا بيع)).
[6] في (ز): ((تقاضي)).
[7] في (ز) صورتها: ((مادت)).