شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لصاحب الحق مقال

          ░13▒ بَابٌ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالٌ
          وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم أنَّه(1) قَالَ: (لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ)، قَالَ سُفْيَانُ: عِرْضُهُ، أَنْ يَقُولَ: مَطَلَنِي، وَعُقُوبَتُهُ: الحَبْسُ.
          وَذَكَرَ حديثَ(2) أبي هُرَيْرَةَ، أنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا). [خ¦2401]
          إذا مَطَلَهُ وهو غنيٌّ فقد ظَلَمَهُ، والظُّلمُ مُحَرَّمٌ قليلُهُ وكثيرُهُ.
          وقالَ أَصْبَغُ وَسُحْنُونٌ: إذا مَطَلَ بدينٍ لم تَجُزْ شهادَتُهُ لأنَّ الرَّسُولَ(3) صلعم سمَّاهُ ظالمًا. وعند غيرهم(4) مِنَ العلماءِ لا تسقطُ(5) شهادتُه إلَّا أن يكون ذلك الأغلبُ مِنْ فِعْلِهِ.
          وفَسَّرَ(6) الفقهاءُ قوله ◙: (لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ) كما فسَّره سُفْيَانُ، وهو كقولِهِ ◙: (لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالٌ)، أي له أن(7) يصفَه بالمطل، وقالوا: قد جاء في القرآن مصداقُ هذا، قال(8) تعالى: {لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}[النِّساء:148]وهذه الآية نزلت فيمَنْ مَنَعَ الضِّيَافَةَ، فأُبِيحَ له أن يقول في المانع له(9) إنَّه لَئِيمٌ، وأنه لم يُقْرِهِ، وشبه هذا. وأمَّا عقوبَتُهُ بالحبسِ فإنَّ ذلك إذا رُجِيَ له مالٌ أو وفاءٌ بما عليه، فإذا ثبت عُسْرَتُهُ وَجَبِتْ(10) نَظْرَتُهُ ولم يلزمه حبسٌ لزوال العلَّة الموجبة لحبسه، وهي الوجدان.
          واختلفوا في الرَّجلِ إذا ثبتت عسرته وأطلقه القاضي مِنَ السِّجنِ، هل يلازمُه غريمُه؟ فقَالَ مَالِكٌ والشَّافعيُّ: ليس لغرمائه(11) لزومه ولا يعترض له حتَّى يثوب له مالٌ آخر، وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يمنعُ الحاكمُ غرماءَه مِنْ لزومِهِ.
          قال الطَّحَاوِيُّ: وقوله ◙: (مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ) يدلُّ أنَّ مَطْلَ غيرِ الغنيِّ ليس بظلمٍ، فلا مطالبةَ عليه إذًا، وإذا سقطتِ المطالبةُ زالتِ الملازمةُ.
          وقولُهُ تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البقرة:280]يوجب تأخيره، فصار كالدَّين المؤجَّل فيُمْنَعُ مِنْ لزومِهِ.


[1] قوله: ((أنَّه)) ليس في (ز).
[2] في (ص): ((الحبس. وحديث)).
[3] في (ز): ((النِّبيَّ)).
[4] في (ز): ((غيرهما)).
[5] في (ز): ((يسقط)).
[6] في (ز): ((وقد فسَّر)).
[7] قوله: ((له أن)) ليس في (ص).
[8] زاد في (ز) قوله: ((الله)).
[9] قوله: ((له)) ليس في المطبوع.
[10] في (ص): ((ووجبت)).
[11] صورتها في (ز): ((غرماؤه)).