شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب أداء الديون

          [░3▒ بَابُ أَدَاءِ الدُّيُونِ
          وَقَوْلِهِ ╡(1): {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النِّساء:58].
          فيهِ أَبُو ذَرٍّ:(2) (كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ صلعم فَلَمَّا أَبْصَرَ(3) أُحُدًا، قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلَّا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ) الحديثَ. [خ¦2388]
          قالَ المُهَلَّبُ: هذه الآية أصلٌ في أداء الأمانات وحفظها، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يحبَّ أن يبقي عنده مِنْ مثل أُحُدٍ ذهبًا فوق ثلاثٍ إلَّا دينارٌ يرصده(4) لدَيْنٍ، فدلَّ هذا الحديث على ما دلَّت عليه الآية(5) مِنْ تأكيد أمر الدَّين والحضِّ على أدائه.
          قال المؤلِّفُ: وفي هذا الحديث دليلٌ على الاستدانة بيسير الدَّين اقتداءً بالنَّبيِّ صلعم في إرصاده(6) دينارًا لدَيْنِه، ولو كان عليه مائة دينارٍ أو أكثر لم يرصد لأدائها دينارًا لأنَّه ◙ كان أحسن النَّاس قضاءً، وبان بهذا الحديث أنَّه ينبغي للمؤمن ألَّا يستغرق في كثير(7) الدَّين خشية الاهتمام به، والعجز عن أدائه، وقد استعاذ النَّبيُّ صلعم(8) بالله ╡ مِنْ ضلع الدَّين، واستعاذ مِنَ المأثم والمغرم وقال: ((إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ)).
          فقد جاء في خيانة الأمانة مِنَ الوعيد ما رواه إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقٍ قال: حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قال: حدَّثنا أبو مُعَاوِيَةَ قال: حدَّثنا الأَعْمَشُ عن عبدِ اللهِ بنِ السَّائِبِ عن زاذانَ عن عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ قالَ: إنَّ القتلَ في سبيلِ اللهِ يكفِّرُ كلَّ ذنبٍ إلَّا الدَّينَ والأمانةَ، قالَ: وأعظمُ ذلكَ الأمانةُ تكونُ عندَ الرَّجُلِ فيجحدُها(9) فيُقَالُ لهُ يومَ القيامةِ: أدِّ أمانَتَكَ، فيقولُ: مِنْ أينَ وقدْ ذهبَتِ]
(10) / الدُّنيا؟ فيقولُ: نحنُ(11) نريكها، قالَ: فتمثل له في قعرِ جهنَّمَ، فيُقَالُ لَهُ: انزلْ فأخرجْهَا(12) فينزلُ فيحملُها على عُنُقِهِ حتَّى إذا كادَ زلَّتْ، فهَوَتْ وهَوَى في أثرِها أبدَ الأبدِ.
          قال: والأمانة في كلِّ شيءٍ حتَّى في الصَّلاة والصِّيام والوضوء والغسل مِنَ الجنابة، والأمانة في الكيل والوزن، وقال الرَّبِيْعُ(13): الأمانة ما أُمروا به، وما نُهوا عنه.


[1] في المطبوع: ((باب أداء الدَّين وقول الله تعالى)).
[2] زاد في المطبوع: ((قال)).
[3] زاد في المطبوع: ((يعني)).
[4] في المطبوع: ((أرصده)).
[5] في المطبوع: ((الآية عليه)).
[6] صورتها في (ز): ((إرصاد)).
[7] في المطبوع: ((كثرة)).
[8] في المطبوع: ((الرَّسول)).
[9] في المطبوع: ((فيخونها)).
[10] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[11] في المطبوع: ((نحن))، وفي (ز): ((فيقال له فنحن)).
[12] زاد في (ز): ((قال)).
[13] زاد في (ز): ((ابن أنس)).