شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استقراض الإبل

          ░4▒ بَابُ اسْتِقْرَاضِ الإِبِلِ
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى النَّبيَّ صلعم فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ(1) أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا وَاشْتَرُوا(2) لَهُ بَعِيرًا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ،قَالُوا(3): لَا نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: اشْتَرُوا(4)، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً). [خ¦2390]
          وترجم له باب: هل يعطى أكبرَ مِنْ سنِّهِ، وباب حُسْنِ القضاءِ.
          اختلف العلماء في استقراض الحيوان فأجاز ذلك مالكٌ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ، واحتجُّوا بهذا الحديث، ولا يحلُّ عند مالكٍ وأهل المدينة استقراض الإماء لأنَّ ذلك ذريعةٌ إلى استحلال الفرج(5).
          ومنع ذلك الكوفيُّون وقالوا: لا يجوز استقراض الحيوان لأنَّ وجود مثله(6) متعذِّرٌ غير موقوفٍ عليه، وقالوا: يحتمل أن يكون حديث أبي هريرةَ قبل تحريم الرِّبا، ثمَّ حرَّم الرِّبا بعد ذلك، وحرَّم كلَّ قرضٍ جرَّ منفعةً، ورُدَّت الأشياء المستقرضة إلى أمثالها، فلم يجز القرض إلَّا فيما له مثلٌ.
          وحجَّة مَنْ أجاز ذلك قالوا: محالٌ أن يستقرض النَّبيُّ صلعم شيئًا لا يقدر على أداء مثله، ولا يصف(7) ذلك بصفةٍ، ولو لم يكن له إلى ردِّ مثله سبيلٌ لم يقرضه(8) إذ كان ◙ أبعد الخلق مِنْ ظلم أحدٍ.
          واحتجَّ مالكٌ لتفريقه بين الإماء وجميع الحيوان فقال: قد أحاط(9) الله ورسوله والمسلمون الفروج، فجعل المرأة لا تنكح إلَّا بوليٍّ وشهودٍ، ونهى النَّبيُّ صلعم أن يخلو بها رجلٌ في حضرٍ أو سفرٍ، ولم يحرِّم ذلك في شيءٍ ممَّا أحلَّ(10) غيرها، فجعل الأموال مرهونةً ومبيعةً بغير بيِّنةٍ، ولم يجعل المرأة هكذا حتَّى حاطها فيما حلَّلها بالوليِّ والشُّهود ففرَّقنا بين حكم الفروج وغيرها بما فرَّق الله ورسوله والمسلمون بينها(11).
          وقال أهل المقالة الأولى: وأيضًا فإنَّه يجوز أن يردَّ أفضل ممَّا استلف(12) إذا لم يشرط ذلك عليه لأنَّ الزِّيادة في ذلك مِنْ باب المعروف، استدلالًا بحديث أبي هريرةَ، وهو قول ابنِ عُمَرَ وابنِ المُسَيَّبِ والنَّخَعِيِّ والشَّعْبِيِّ وعَطَاءٍ، وبه قال الثَّوْرِيُّ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ وجماعةٌ.
          واختلف(13) أصحاب مالكٍ في ذلك، فقال ابنُ حَبِيْبٍ: لا بأس أن يردَّ أفضل ممَّا استقرض في العدد والجودة(14) لأنَّ الآثار جاءت بأنَّ النَّبيَّ صلعم ردَّ أكثر عددًا في طعامٍ وإبلٍ(15). وأجاز أَشْهَبُ أن يزيده(16) في العدد إذا طابت نفسه بذلك(17). وقال ابنُ نافعٍ: لا بأس أن يعطي أكثر عددًا إذا لم يكن ذلك(18) عادةً.
          وقال مالكٌ: لا يجوز أن يكون زيادةٌ(19) في العدد، وإنَّما يصلح أن تكون في الجودة. وقال ابنُ القَاسِمِ: لا يعجبني أن يعطيه أكثر في العدد ولا في الذَّهب والوَرِق إلَّا اليسير(20) مثل الرُّجحان في / الوزن والكيل ولو زاد(21) بعد ذلك لم يكن به بأسٌ، وهو قول مالكٍ، وإنَّما لم يجز أن يشترط أن يأخذ أفضل لأنَّه يخرج مِنْ باب المعروف ويصير ربًا، ولا خلاف بين العلماء أنَّ اشتراط الزِّيادة في ذلك ربًا لا يحلُّ.


[1] زاد في المطبوع: ((به)).
[2] في (ص): ((واشتروه)).
[3] في (ز): ((فقالوا)).
[4] في المطبوع: ((اشتروه))، وغير واضحة في (ص).
[5] في (ز): ((الفروج)).
[6] قوله: ((مثله)) ليس في (ص).
[7] في (ز): ((ولا يضبط)).
[8] في المطبوع: ((يستقرضها))، وغير واضحة في (ص).
[9] في (ز): ((حاط)).
[10] صورتها في (ز): ((ممَّا خلق))، وغير واضحة في (ص).
[11] في (ز): ((بينهما)).
[12] في (ز): ((استسلف)).
[13] في (ز): ((وقد اختلف)).
[14] في المطبوع: ((والجود)).
[15] قوله: ((وإبل)) ليس في المطبوع.
[16] صورتها في (ز): ((يجيزه)).
[17] قوله: ((بذلك)) ليس في (ص).
[18] قوله: ((ذلك)) ليس في (ص).
[19] في (ز): ((أن تكون الزِّيادة)).
[20] في (ص): ((والورق واليسير)).
[21] في (ز): ((في الكيل والوزن، ولو زاده)).