شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب القطائع

          [░14▒ بَابُ القَطَائِعِ
          فيهِ أَنَسٌ: (أَرَادَ النَّبيُّ صلعم أَنْ يُقْطِعَ(1) مِنَ البَحْرَيْنِ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: حتَّى تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا، قَالَ: سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي).
          وترجم له بابُ كتابةِ القطائعِ.
          قَالَ أَنَسٌ: (دَعَا النَّبيُّ صلعم الأَنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ بِالبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ فَعَلْتَ كَذَا(2) فَاكْتُبْ لإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي). [خ¦2376]
          قالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ: مال البحرين كان مِنَ الجزية، لأنَّ المجوس كانوا فيها كثيرًا في ذلك الوقت بسبب سلطان كسرى كان فيها(3)، وكان فيها أيضًا مِنْ أهل الذِّمَّة سوى المجوس]
(4)، / وكان عامله عليها أَبَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العاصِ(5).
          قال المؤلِّفُ: فهذا يدلُّ أنَّ الَّذي أراد أن يقطع النَّبيُّ ◙(6) مِنَ البحرين لم تكن نفس الأرض، لأنَّها كانت أرض صلحٍ يؤدي أهلها الجزية عليها، وإنَّما أراد أن يقطع لهم مالًا يأخذونه مِنْ جزية البحرين، لأنَّ الجزية تجري مجرى الخراج والخمس يجوز(7) أخذها للأغنياء، وليست تجري مجرى الصَّدقة.
          وقوله: (فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم) يعني فلم يردَّ ذلك للنَّبيِّ(8) صلعم لأنَّه كان قد(9) أقطع المهاجرين أرض بني النَّضير حين جلوا منها(10) وليستغنوا عن رفد الأنصار ومشاركتهم، وردُّوا إليهم منائحهم.
          قالَ المُهَلَّبُ: وقوله ◙ للأنصار: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي) يدلُّ أنَّ الخلافة لا تكون في الأنصار، ألا ترى أنَّه ◙ جعلهم تحت الصَّبر إلى يوم يلقونه، والصَّبر لا يكون إلَّا مِنْ مغلوبٍ محكومٍ عليه.


[1] زاد في المطبوع: ((الأنصار)).
[2] قوله: ((كذا)) ليس في المطبوع.
[3] في المطبوع: ((بها)).
[4] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[5] في (ز): ((العاصي)).
[6] زاد في (ز): ((للأنصار)).
[7] في المطبوع: ((فيجوز)).
[8] في (ز): ((النَّبيّ)).
[9] في (ز): ((لأنَّه قد كان)).
[10] في (ز): ((حين أجلوها)).