شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: في الشرب ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة

          [░1م▒ بَابُ مَنْ رَأَى صَدَقَةَ المَاءِ وَهِبَتَهُ وَوَصِيَّتَهُ جَائِزَةً مَقْسُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْسُومٍ(1)
          فيهِ سَهْلٌ: (أُتِيَ النَّبيُّ ◙ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ أَصْغَرُ القَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ، أَتَأْذَنُ(2) أَنْ أُعْطِيَهُ الأَشْيَاخَ؟ قَالَ(3): مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا(4)، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ). [خ¦2351]
          وفيهِ أَنَسٌ: (حُلِبَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلعم شَاةٌ دَاجِنٌ، وَهُوَ(5) في دَارِ أَنَسٍ، وَشِيْبَتْ(6) لَبَنُهَا بِمَاءٍ مِنَ البِئْرِ الَّتي في دَارِ أَنَسٍ(7)، فَأُعْطَى رَسُولُ اللهِ صلعم القَدَحَ، فَشَرِبَ مِنْهُ، حتَّى إِذَا نَزَعَ القَدَحَ مِنْ فِيهِ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ(8)، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَخَافَ أَنْ يُعْطِيَهُ الأَعْرَابِيَّ: أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدَكَ، فَأَعْطَى(9) الأَعْرَابِيَّ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ، ثمَّ قَالَ: الأَيْمَنَ، فَالأَيْمَنَ). [خ¦2352]
          جميع ما يوهب للجماعة مِنَ الأشياء كلِّها هم فيها مشتركون(10)، وحقوقهم فيها متساويةٌ، لا فضل لأحدٍ منهم على صاحبه، وإنَّما جازت هبة الماء واللَّبن غير مقسومين لقلَّة التَّشاحِّ فيهما، ولأنَّ العادة قد جرت مِنَ الجماعة إذا أكلت أو شربت معًا أنَّها تجري في ذلك على المكارمة، ولا يتقصَّى(11) بعضهم على بعضٍ، لأنَّ ذلك إنَّما يوضع للنَّاس على قدر نهمهم(12)، فمنهم مَنْ يكفيه اليسير، ومنهم مَنْ يكفيه أكثر(13)، إلَّا أنَّ استعمال(14) أدب المؤاكلة والمشاربة أَولى، وأن لا يستأثر أحدهم بأكثر مِنْ نصيب صاحبه.
          ألا ترى أنَّ مالكًا قد قال: لا يفرِّق(15) أحدٌ بين تمرتين إلَّا أن يستأذن أصحابه في ذلك، لمَّا كان التَّمر ممَّا يتشاحُّ فيه أكثر مِنَ التَّشاحِّ في الماء واللَّبن. /
          وقالَ المُهَلَّبُ: إنَّما استأذن النَّبيُّ صلعم الغلام في حديث سَهْلٍ، ولم يستأذن أبا بَكْرٍ(16) في حديث أَنَسٍ، لأنَّ الأعرابيَّ الَّذي كان]
(17) عن يمين النَّبيِّ صلعم كان مِنَ السَّادة والمشيخة(18) وكان طريَّ الهجرة لا علم له بالشَّرائع, فأعطاه النَّبيُّ ◙ ولم يستأذن أبا بَكْرٍ استئلافًا منه للأعرابيِّ، وتطييبًا لنفسه، وتشريفًا له، ولم يجعل ◙ للغلام تلك المنزلة، لأنَّه(19) كان(20) مِنْ قرابته(21)، وسنُّه دون سنِّ الأشياخ الَّذين كانوا على يساره ◙ فاستأذنه في أن يعطيهم بادئًا عليهم، ولئلَّا يوحشهم بإعطاء ابن عمِّه وهو صبيٌّ وتقدُّمه(22) عليهم حتَّى أعلمهم أنَّ ذلك يجب له بالتَّيامن في الجلوس، وقيل: إنَّ الغلامَ الفَضْلُ بنُ العَبَّاسٍ وقد تقدَّم في كتاب الأشربة زيادةٌ في هذا المعنى [خ¦5619] [خ¦5620].


[1] زاد في المطبوع: ((وَقَالَ عُثْمَانُ: قَالَ النَّبيُّ ◙: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ المُسْلِمِينَ، فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ»)).
[2] زاد في المطبوع: ((لي)).
[3] في المطبوع: ((فقال)).
[4] زاد في المطبوع: ((يا رسول الله)).
[5] في المطبوع: ((وهي)).
[6] في المطبوع: ((فشبت)).
[7] زاد في المطبوع: ((بن مالك)).
[8] زاد في المطبوع: ((وعليٌّ)).
[9] في المطبوع: ((فأعطاه)).
[10] في المطبوع: ((متشاركون)).
[11] في المطبوع: ((ينقضي)).
[12] في المطبوع: ((نهمتهم)).
[13] زاد في المطبوع: ((منه)).
[14] في المطبوع: ((أن من استعمل)).
[15] في المطبوع: ((يقرن)).
[16] في المطبوع: ((الأعرابيَّ)).
[17] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[18] في (ص): ((عن يمين النَّبيِّ ◙ من المشيخة)).
[19] صورتها في (ز): ((لأنَّ)).
[20] قوله: ((كان)) ليس في (ص).
[21] زاد في (ز): ((╡)).
[22] في (ز): ((وتقديمه)).