شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من حفر بئرًا في ملكه لم يضمن

          ░3▒ بَابُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا في مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ(1) النَّبيُّ صلعم: (المَعْدِنُ جُبَارٌ وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وفي الرِّكَازِ الخُمْسُ). [خ¦2355]
          اختلف العلماء في هذه المسألة، فقال مالكٌ فيمَنْ(2) حفر بئرًا، أو وقف(3) دابَّةً في موضع يجوز له أن يصنع ذلك فيه، فسقط أحدٌ في البئر، أو ضربت الدَّابَّة أحدًا أنَّه لا ضمان عليه ولا دية، وإنَّما يضمن مِنْ ذلك ما حفره في طريق المسلمين، أو صنع مِنْ ذلك ما لا يجوز له أن يصنعه فيه، فهذا(4) بمنزلة الإمام إذا حدَّ أحدًا فمات المحدود فلا شيء على الإمام لأنَّه فعل ما يجوز له، وإنَّما يلزمه الضَّمان إذا تعدَّى في الحدِّ، وبمثله كلِّه قال الشَّافعيُّ، وقال أبو حنيفةَ وأصحابه: مَنْ حفر بئرًا أو أوقف دابَّةً في موضعٍ يجوز له ذلك فيه فليس يبرئه مِنَ الضَّمان مَنْ(5) أجاز إحداثه له.
          واختلفوا في رجلٍ حفر في داره بئرًا لسارقٍ يرصده، أو وضع حبالات له فعُطب به السَّارق أو غيره [فقال مالكٌ: هو ضامنٌ، وقالَ اللَّيْثُ: لا ضمان عليه. وحجَّته قوله ◙(6): (البِئْرُ جُبَارٌ). وحجَّة مالكٍ أنَّه لا يجوز له أن يقصد بذلك الفعل أن يهلك به أحدًا لأنَّه متعدٍّ بهذا القصد، وقد يمكنه التَّحرُّز بغيره. قال: فإن حفر الحفيرة في حائطه للسِّباع فعطب به إنسانٌ فلا ضمان عليه عند مالكٍ لأنَّه فعل ما له(7) فعله، ولا غنى به عنه، ولم يقصد بالحفر تلف إنسانٍ فيكون متعدِّيًا، وسيأتي معنى قوله ◙: (العَجْمَاءُ جُبَارٌ) في كتاب الدِّيات إن شاء الله تعالى [خ¦6912] [خ¦6913].](8)


[1] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((من)).
[3] في (ز): ((أوقف)).
[4] في (ز): ((وهذا)).
[5] في (ز): ((ما)).
[6] في المطبوع: ((قول الرَّسول)).
[7] في المطبوع: ((ما يجوز له)).
[8] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).