شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه

          [░10▒ بَابُ مَنْ قَالَ: أَنَّ صَاحِبَ الحَوْضِ وَالقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ
          فيهِ سَهْلٌ: (أُتِيَ النَّبيُّ صلعم بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ هُوَ أَحْدَثُ القَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: يَا غُلاَمُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَشْيَاخَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُوثِرُ(1) بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ). [خ¦2366]
          وفيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَذُودَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضِي، كَمَا تُذَادُ الغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الحَوْضِ). [خ¦2367]
          وفيهِ ابنُ عَبَّاسٍ، قَالَ النَّبيُّ صلعم(2): (يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ، أَوْ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المَاءِ، لَكَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا، وَأَقْبَلَ جُرْهُمُ فَقَالَ(3): أَتَأْذَنِينَ أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ، قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَا حَقَّ لكُمْ في المَاءِ قَالُوا: نَعَمْ). [خ¦2368]
          وفيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ... _الحديثَ_ وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَيَقُولُ اللهُ: اليَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ)]
(4). [خ¦2369]
          قالَ المُهَلَّبُ: / لا خلاف أنَّ صاحب الحوض أحقُّ بمائه لقوله ◙: (لأَذُودَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضِي) فأمَّا(5) حديث الغلام والأشياخ فصاحب الماء واللَّبن أحقُّ به أوَّلًا، ثمَّ يستحقُّه المتيامن منه، فكان بين الحوض والقربة أو القدح فرقٌ، لأنَّه لو كان صاحب القدح أحقُّ به أبدًا لما استأذن النَّبيُّ صلعم الغلام الَّذي كان عن يمينه(6) أن يعطي الأشياخ، فإنَّما تصحُّ التَّرجمة في الابتداء أنَّ صاحب الماء أَولى به، ثمَّ الأيمن فالأيمن أَولى مِنْ صاحب الماء(7) أن يعطيه غيره، وإنَّما هذا فيما يُؤكل أو يُشرب(8) الموضوع بين يدي الجماعة، وأمَّا في المياه والآبار والجباب والعيون فصاحبها أَولى بها أوَّلًا(9)، وأَولى بها في أن يعطي مَنْ شاء آخرًا بخلاف حديث الغلام، وكذلك في مسألة أمِّ إِسْمَاعِيْلَ هي أحقُّ بمائها أوَّلًا وآخرًا.
          قال أبو عبدِ اللهِ: وقوله: (لأَذُودَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضِي) قال قَبَيْصَةُ: في البخاريِّ هم المرتدُّون الَّذين بدلَّوا، فإن قيل: كيف(10) يأتون غرًّا محجَّلين والمرتدُّ لا غرَّة له ولا تحجيل(11)؟ فالجواب أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((تَأْتِي كُلُّ أُمَّةٍ فِيْهَا مُنَافِقُوهَا)) وقد قال تعالى ذلك(12) في كتابه: {يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ(13)}[الحديد:13]الآية، فصحَّ أنَّ المؤمنين يحشرون وفيهم المنافقون الَّذين كانوا معهم في الدُّنيا حتَّى يُضرب بينهم بسورٍ(14) والمنافق لا غرَّة ولا تحجيل له(15)، لكن المؤمنون سُمُّوا غرًّا محجَّلين بالجملة وإن كان المنافق(16) في خلالهم.


[1] في المطبوع: ((لأوثر)).
[2] في المطبوع: ((قال ◙)).
[3] في المطبوع: ((فقالوا)).
[4] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[5] في (ز): ((وأمَّا)).
[6] زاد في (ز): ((في)).
[7] زاد في (ز): ((في)).
[8] في (ز): ((ويشرب)).
[9] قوله: ((أوَّلًا)) تكرر في (ز).
[10] في (ز): ((فكيف)).
[11] في (ز): ((لا غرَّة ولا تحجيل له)).
[12] قوله: ((ذلك)) ليس في (ز).
[13] زاد في (ز): ((قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا فضرب بينهم بسور له باب)).
[14] زاد في (ز): ((له باب)).
[15] في (ز): ((والمنافقون لا غرَّة ولا تحجيل لهم)).
[16] في (ز): ((المنافق)).