شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم

          ░11▒ بَابٌ لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
          [فيهِ الصَّعْبُ بنُ جَثَّامَةَ(1) إِنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَقَالَ(2): بَلَغَنَا أَنَّ النَّبيَّ صلعم حَمَى البَّقِيْعَ، وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ). [خ¦2370]
          أصل الحِمَى في اللُّغة: المنع، يعني: لا مانع لما لا مالك له أحدٌ(3) مِنَ النَّاس مِنْ أرضٍ أو كلأٍ أو شجرٍ إلَّا لله ولرسوله، وذكر ابنُ وَهْبٍ أنَّ البقيع الَّذي حماه النَّبيُّ صلعم قدره ميلٌ في ثمانية أميالٍ، حماه لخيل المهاجرين، وحمى أبو بَكْرٍ الرَّبذة لما يحمل عليه في سبيل الله ╡ نحو خمسة أميالٍ في مثلها، وحمى ذلك عُمَرُ لإبل الصَّدقة، وحمى أيضًا السَّرف وهو مثل الرَّبذة وزاد عُثْمَانُ في الحِمَى لمَّا كثرت الإبل والبقر في أيامه مِنَ الصَّدقات، أصل فعلهم ذلك مِنْ سنَّة النَّبيِّ صلعم.
          فمعنى قوله: (لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ) أي أنَّه لا حمى لأحدٍ يخصُّ به نفسه ترعى فيه ماشيته دون سائر النَّاس، وإنَّما هو لله ولرسوله أو لِمَنْ(4) ورث ذلك عنه ◙ مِنَ الخلفاء بعده إذا احتاج إلى ذلك لمصلحةٍ تشمل المسلمين ومنفعةٍ تعمُّهم، كما فعل أبو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمَانُ ♥ لمَّا احتاجوا إلى ذلك.
          وقد عاتب رجلٌ مِنَ العرب عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فقال(5): بلاد الله حميت لمال الله. وأنكر أيضًا على عُثْمَانَ أنَّه زاد في الحمى، وليس لأحدٍ أن ينكر ذلك، لأنَّ النَّبيَّ صلعم قد تقدَّم إليه، فلخلفائه(6) الاقتداء به والاهتداء بهديه، وإنَّما يحمي الإمام ما ليس بملكٍ لأحدٍ مثل بطون الأودية والجبال، والموات، وإن كان قد ينتفع المسلمون بتلك المواضع فمنافعهم في حماية الإمام لها أكثر، والله الموفِّق، وقال الأَصْمَعِيُّ: البقيعُ القاعُ، يُقَالُ: انزل بذلك البقع، أي القاع، والجمع البقعان.]
(7)


[1] زاد في المطبوع: ((قال)).
[2] في المطبوع: ((وقال أبو عبد الله)).
[3] قوله: ((أحد)) ليس في المطبوع.
[4] في المطبوع: ((ولمن)).
[5] في المطبوع: ((فقال له)).
[6] في المطبوع: ((ولخلفائه)).
[7] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).