شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما جاء في الشرب

          [░1▒ بَابُ مَا جَاء في الشُّرْبِ
          وَقَوْلِ اللهِ ╡: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء:30]وَقَوْلِهِ تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} الآية[الواقعة:68-70](1).
          وَقَالَ عُثْمَانُ: عَنِ النَّبيِّ صلعم: (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُوْمَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ المُسْلِمِينَ، فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ).
          معنى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء:30]أراد به حياة جميع الحيوان الَّذي يعيش بالماء، وقيل: عنى بالماء هاهنا النُّطفة خاصَّةً. / ومَنْ قرأ: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاء كُلَّ شَيْءٍ حيًّا}[الأنبياء:30]فدخل(2) فيه الحيوان والجماد، لأنَّ الزَّرع والشَّجر لها موتٌ إذا جفَّت ويبست]
(3)، فحياتها خضرتها ونضرتها، والمُزْنُ السَّحَابُ(4) والأُجَاجُ: المالح(5).
          عدَّد الله على عباده نعمته في خلقه لهم الماء عذبًا يتلذَّذون(6) بشربه وتنموا به ثمارهم، ولو شاء لجعله مالحًا فلا يشربون منه ولا ينتفعون به في زرعهم(7) وثمارهم {فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}[الواقعة:70]أي فهلَّا تشكرون الله على ما فعل بكم.
          وأمَّا بئر رُومَةَ فإنَّها كانت ليهوديٍّ، وكان يضرب عليها القفل ويغيب، فيأتي المسلمون ليشربوا(8) منها الماء فلا يجدونه حاضرًا، فيرجعون بغير ماءٍ فشكا المسلمون ذلك، فقال ◙: (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُوْمَةَ وَيُبِيْحُهَا(9) للمُسْلِمِيْنَ وَيَكُونُ نَصِيْبُهُ فِيْهَا كَنَصِيْبِ أَحَدِهِمْ وَلَهُ الجَنَّةُ، فَاشتَرَاهَا عُثْمَانُ) وهذا الحديث حجَّةٌ لمالكٍ ومَنْ وافقه في قولهم: إنَّه لا بأس ببيع الآبار والعيون في الحضر إذا احتفرها لنفسه ولم يحتفرها للصَّدقة، فلا(10) بأس ببيع مائها، وكره بيع ما حفر(11) مِنَ الآبار في الصَّحاري مِنْ غير أن يحرمه.
          وأمَّا قوله: (فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ المُسْلِمِيْنَ) يعني يجعلها حبسًا لله(12)، ويكون حظُّه منها كحظِّ غيره ممَّنْ لم يحبِّسها، ولا يكون له فيها مزيَّةٌ على غيره.
          فإن قيل: إذا(13) شرط أن يكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، ففيه مِنَ الفقه أنَّه(14) يجوز للمحبس أن ينتفع بما يحبسه إذا شرط ذلك. قيل: هذا ينقسم قسمين: وأمَّا(15) مَنْ حبس بئرًا وجعلها للسُّقاة فلا بأس أن يشرب منها وإن لم يشترط ذلك، لأنَّه داخلٌ في جملة السُّقاة، ومَنْ حبس عقارًا فلا يجوز له أن ينتفع بشيءٍ منها إلَّا أن يشترط أن يكون نصيبه فيه كنصيب أحد المسلمين، [فإذا لم يشترط ذلك فلا يجوز له الانتفاع بشيءٍ منه، لأنَّه أخرجه لله ╡ ولا يجوز الرُّجوع فيه.
          فإن قيل: فما الفرق بين وقف البئر ووقف العقار؟ قيل: الفرق بينهما أنَّ سائر الغلَّات تنقطع في أوقاتٍ ما، فإذا(16) أخذ منها المحبس فقد حرم ذلك الشَّيء أهل الحاجة وانفرد به.
          وماء الآبار لا ينقطع أبدًا، لأنَّها نافعةٌ(17) فلا يحترم(18) أحدٌ مِنْ أهل الحاجة ما أخذ منها محبسها وسيأتي ما يجوز انتفاع المحبس به مِنْ حبسه في باب هل ينتفع الواقف بوقفه في كتاب الأوقاف إن شاء الله تعالى [خ¦2754] [خ¦2755]
](19).


[1] قوله: (({أأنتمُ أنزلتمُوهُ مِنَ المزنِ أمْ نحنُ المنزلونَ لو نشاءُ جعلناهُ أجاجًا} الآية)) ليس في المطبوع، وفي المطبوع: (({الَّذِي تَشْرَبُونَ} إلى قوله: {تَشْكُرُونَ})).
[2] في المطبوع: ((حيًّا يدخل)).
[3] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[4] قوله: ((والمزن السَّحاب)) ليس في (ز).
[5] في (ز): ((الملح)).
[6] في (ز): ((يلتذون)).
[7] في (ز): ((زروعهم)).
[8] في (ز): ((ليشربون)).
[9] في (ص): ((يبيحها)).
[10] في (ز): ((ولا)).
[11] في (ز): ((عمل)).
[12] في (ز): ((لوجه الله ╡)).
[13] في (ز): ((فإذا)).
[14] في (ز): ((أنَّ)).
[15] في (ز): ((فأمَّا)).
[16] في المطبوع: ((وإذا)).
[17] في المطبوع: ((نابعة)).
[18] في المطبوع: ((يحرم)).
[19] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).