شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إثم من منع ابن السبيل من الماء

          [░5▒ بَابُ إِثْمِ مَنْعِ ابنِ السَّبِيلِ المَاءَ(1)
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ:(2) (قَالَ النَّبيُّ صلعم : ثَلاَثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، / وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنِ ابنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ، فَقَالَ: وَاللهِ(3) لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ]
(4)، ثمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيةَ(5): {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية[آل عِمْرَان:77]) [خ¦2358]
          قالَ المُهَلَّبُ: وهذا وعيدٌ على المسلمين أيضًا، وكلُّ وعيدٍ يتوجَّه إلى المسلمين فهو موكولٌ إلى مشيئة الله تعالى، وهو فيه بالخيار إن شاء عفا عنه، وإن شاء أنفذه فإن أنفذه(6) على المسلم فلا يكون فيه خلودٌ، لأنَّ الخلود في الذُّنوب قد رفع(7) عن أهل التَّوحيد.
          وقوله: (مَنَعَ فَضْلَ الماءِ) يدلُّ أنَّ صاحب البئر أولى مِنِ ابن السَّبيل عند الحاجة، فإذا أخذ صاحب البئر حاجته لم يجز له منع ابن السَّبيل، وقوله: (بَايَعَ إِمَامًا) هو في معنى قوله ◙: ((مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا)) الحديثَ، وأنَّ الله تعالى لا يقبل في الهجرة والمبايعة والأعمال إلَّا ما أُريد به وجهه ╡، وما لا يريد به وجهه فلا يرضى به(8)، وله أن يعاقب عليه، وقوله: (بَعدَ العَصْرِ) يدلُّ أنَّه وقتٌ تعظم فيه المعاصي لارتفاع الملائكة بأعمال النَّاس إلى الله تعالى(9)، فيعظم أن يرتفعوا عن العبد بالمعصية إلى الله ╡ ويكون أجر عمله المرفوع.
          وفيه أنَّ خواتم الأعمال هي المرجوَّة والمحتسبة(10).


[1] في المطبوع: ((باب إثم منع ابن السَّبيل من الماء)).
[2] زاد في المطبوع: ((قال)).
[3] زاد في المطبوع: ((الَّذي لا إله إلَّا هو)).
[4] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[5] قوله: ((هذه الآية)) ليس في (ز).
[6] قوله: ((فإن أنفذه)) ليس في (ص).
[7] في (ز): ((الذُّنوب مرفوع)).
[8] في (ز): ((وما لم يرد به وجهه تبارك وتعالى فلا يرضاه)).
[9] زاد في (ز): ((فيه)).
[10] في (ز): ((والمخشية)).