شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل سقي الماء

          ░9▒ بَابُ فَضْلِ سَقْيِ المَاءِ
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (بَيْنَا(1) رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا، ثمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثمَّ رَقِيَ فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا في البَهَائِمِ لأَجْرًا(2)؟ قَالَ: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ). [خ¦2363]
          وفيهِ أَسْمَاءُ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم صَلَّى صَلَاةَ(3) الكُسُوفِ، فَقَالَ: أُدْنِيَتْ(4) مِنِّي النَّارُ، حَتَّى قُلْتُ(5): [أي رَبِّ، وَأَنَا مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ فقَالَ(6): مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حتَّى مَاتَتْ جُوْعًا قَالَ: فَقَالَ: واللهُ أَعْلَمُ(7)، لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِيهَا وَلَا سَقَيِتيِهَا حِينَ حَبَسْتِهَا(8)، وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِيهَا تَأَكْلُ مِنْ خَشَائشِ(9) الأَرْضِ). [خ¦2364]
          سقي الماء مِنْ أعظم القربات إلى الله تعالى وقد قال بعض التَّابعين: مَنْ كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء، وإذا غفرت ذنوب الَّذي سقى الكلب فما ظنُّكم بمَنْ سقى رجلًا مؤمنًا موحِّدًا وأحياه(10) بذلك.
          وقد استدلَّ بهذا الحديث مَنْ أجاز صدقة التَّطوُّع على المشركين، لعموم قوله ◙: (فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) وفيه أنَّ المجازاة على الخير والشَّرِّ قد تكون يوم القيامة مِنْ جنس الأعمال، كما قال ◙: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيْدَةٍ عُذِّبَ بِهَا في نَارِ جَهَنَّمَ)).
          وقال صاحبُ الأفعالِ: لهثَ الكلبُ، ولهثَ _بفتح الهاء، وكسرها_ أدلع لسانَهُ عطشًا، ولهثَ الإنسانُ أيضًا اشتَّدَ عطشُهُ.]
(11)


[1] في (ز): ((بينما)).
[2] في المطبوع: ((أجرًا)).
[3] قوله: ((صلاة)) ليس في (ز).
[4] في (ز): ((دنت)).
[5] في (ز): ((فقلت)).
[6] في المطبوع: ((قال)).
[7] قوله: ((قال فَقَالَ وَاللهُ أَعْلَمُ)) ليس في(ز).
[8] في المطبوع: ((حبستيها)).
[9] في المطبوع: ((خشاش)).
[10] في المطبوع: ((أو أحياه)).
[11] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).