شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يشتهى من اللحم يوم النحر

          ░4▒ بَابُ مَا يُشْتَهَى مِنَ اللَّحْمِ يَوْمَ النَّحْرِ.
          فيه: أَنَسٌ: (قَالَ النَّبيُّ صلعم يَوْمَ النَّحْرِ: مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَلْيُعِدْ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ، وذَكَرَ(1) من جِيرَانَهُ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ في ذَلِكَ، فَلا أَدْرِي بَلَغَتِ(2) الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لا؟ ثُمَّ انْكَفَأَ النَّبيُّ إلى كَبْشَيْنِ، فَذَبَحَهُمَا، وَقَامَ النَّاسُ إلى غُنَيْمَةٍ فَتَوَزَّعُوهَا، أَوْ قَالَ: فَتَجَزَّعُوهَا(3)). [خ¦5549]
          قال المُهَلَّب: من استعجل شيئًا قبل وقته فعقوبته أن يمنع ذلك الشَّيء، وهذا أبو بُرْدَة استعجل الذَّبح قبل وقته فحرم أن تجزئ عنه مرَّة أخرى، ولولا أنَّه ذكر من جيرانه حاجة ومسغبة(4) أراد إطعامهم وسدَّ جوعتهم وخلَّتهم لما عذره النَّبيُّ صلعم وجوَّز له الضَّحية بجذعة من المعز، و يدلُّ على ذلك قوله ◙ في غير هذه الرِّواية: ((وَلَنْ تُجزِئَ أَحدًا بعدَكَ)) فلم يكن في الحديث شيء يمكن أن يتناول منه معنى اختصاص النَّبيِّ صلعم إيَّاه بإجازة الجذعة إلَّا ما ذكر من حاجة جيرانه وجوعهم.
          قال المؤلِّف: وفيه أنَّ من اشتهى اللَّحم يوم النحر أنَّه لا حرج عليه، ولا يتوجَّه إليه(5) ما قال عُمَر بن الخطَّاب حين لقي جابر بن عبد الله ومعه حمال لحم بدرهم، فقال له: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللَّحم. فقال له: أين تذهب هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا}[الأحقاف:20]لأنَّ فضل(6) النَّحر مخصوص بأكل اللَّحم والالتذاذ بالحلال لقوله ╡: {ويَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ(7) على مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج:28]وأمَّا في غير وقت النَّحر فأكل اللَّحم مباح، إلَّا أنَّ السَّلف ♥ كانوا لا يواظبون على أكله دائمًا، وستأتي سيرتهم في أكلهم وأخذهم من الدُّنيا في كتاب الأطعمة، [خ¦5411] [خ¦5412] [خ¦5413] [خ¦5414] [خ¦5415] [خ¦5416] وكتاب الرَّقائق [خ¦6452] [خ¦6453] [خ¦6454] [خ¦6455] [خ¦6456] [خ¦6457] [خ¦6458] [خ¦6459] [خ¦6460] إن شاء الله.
          وفيه: ما كان عليه سلف هذه الأمَّة من مواساتهم لجيرانهم ممَّا رزقهم الله، وترك الاستئثار عليهم، ألا ترى حرص أبي بُرْدَة على تعجيل الذَّبح من أجل خلَّة جيرانه، ولم يتعرَّف إن كان ذلك يجزئ أم لا.
          قوله(8): (فَتَجَزَّعُوهَا) هو مثل توزَّعوها وتقسَّموها، قال صاحب «العين» الجزع القطع.
          وقول أنسٍ: (لَاَ أَدْرِيْ أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا) فقد بيَّن أنَّ الرُّخصة لم تكن لأحد غيره قولُه ◙ في حديث البراء: ((ولَنْ تُجزِئَ أَحَدًا بعدَكَ)).


[1] في (ص): ((فذكر)).
[2] في (ص): ((أبلغت)).
[3] في (ص): ((فقدعوها أو قال يتجزعوها)).
[4] في (ص): ((جوعة ومشقة)).
[5] قوله: ((إليه)) ليس في (ص).
[6] في (ز): ((يوم)).
[7] قوله: ((في أيام معلومات)) ليس في (ص).
[8] في (ص): ((وقوله)).