شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب سنة الأضحية

          ░1▒ بَابُ سُنَّةِ الأضْحِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ.
          فيه: الْبَرَاءُ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هَذَا نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فمَنْ(1) فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ(2) فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيْءٍ. فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نيَّارٍ، وَقَدْ ذَبَحَ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً، فَقَالَ: اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ). [خ¦5545]
          وَقَالَ الْبَرَاء مرَّة: عنِ النَّبيِّ صلعم: (مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ).
          وروى أَنَسٌ عَن النَّبيِّ صلعم مثله. [خ¦5546]
          اختلف العلماء في وجوب الأضحية، فقال أبو حنيفة ومحمَّد: إنَّها واجبة. وروي عن النَّخَعِيِّ أنَّه قال: الأضحى واجب على أهل الأمصار ما خلا الحاجِّ. وذكر ابن حبيب عن مالك أنَّه قال: الأضحية سنَّة لا رخصة لأحد في تركها(3). وهو قول ربيعة واللَّيث. قال مالك: وإن وجد الفقير من يسلفه ثمنها فليستلف. وروي عن سعيد بن المسيِّب وعلقمة والأسود أنَّهم كانوا لا يوجبونها، وهو قول أبي يوسف(4).
          وقال الشَّافعيُّ: الأضحية سنَّة وتطوُّع وليست بواجبة، وهو قول أحمد وأبي ثور. وقال الثَّوريُّ: لا بأس بتركها، وقد روي عن الصَّحابة ما يدلُّ أنَّها ليست بواجبة ولا بأس بتركها(5). ذكر عبد الرَّزَّاق عن الثَّوريِّ عن إسماعيل عن الشَّعبيِّ عن أبي سَرِيحة قال: رأيت أبا بكر وعمر وما يضحِّيان. وعن ابن عمر: من شاء يضحِّى(6) ومن شاء لم يضحِّ. وروى الثَّوريُّ عن أبي مَعْشَر عن(7) مولى لابن عبَّاس قال: أرسلني ابن عبَّاس أشتري له لحمًا بدرهم، وقال: قل: هذه أضحية ابن عبَّاس. وقال النَّخَعِيُّ: قال علقمة: لأن لا أضحِّي أحبُّ إليَّ من أن أراه حتمًا عليَّ. وهو قول أبي مسعود البدريِّ وسعد وبلال.
          واحتجَّ الكوفيُّون على وجوبها بقوله ◙ لأبي بُرْدَة: ((إِنَّها تُجزِئُ عنكَ، ولَنْ تُجزِئَ عنْ أحدٍ بعدَكَ)). قال الطَّحاويُّ: فإن قيل: كان أوجبها فأتلفها فلذلك أوجب عليه إعادتها. قيل له: أراد هذا ليعرِّفه قيمة المتلفة ليأمره بمثلها، فلمَّا لم يعتبر(8) ذلك دلَّ أنَّه لم يقصد إلى ما ذكرت.
          واحتجَّ من لم يوجبها بقوله ◙: (أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَنْحَرَ، فمَنْ فَعَلَ ذلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا) وما كان سنَّة فليس بواجب، وبقوله ◙: ((إذا دخلَ عشرُ ذي الحِجَّةِ فأرادَ أحدُكم أنْ يضحِّيَ)). قال ابن المنذر: فلو كانت واجبة لم يجعلها إلى إرادة المضحي.
          واختلفوا في تفضيل الصَّدقة على الضَّحيَّة(9): فقال ربيعة و أبو الزِّناد والكوفيُّون: الضَّحيَّة أفضل. وروي عن طاوس مثله.
          وروي عن بلال أنَّه قال: ما أبالي ألَّا أضحِّي إلَّا بديك، ولأن أضعه في في يتيم قد ترب أحبُّ إليَّ(10) من أن أضحِّي به. وقال الشَّعبيُّ: الصَّدقة أفضل. وهو قول مالك وأبي ثور، ذكره ابن المنذر، والمعروف من مذهب مالك عند أصحابه أنَّ الضَّحيَّة أفضل من الصَّدقة. وروى ابن وهب عن مالك أنَّ الصَّدقة بثمنها أحبُّ إليَّ للحاجِّ من أن يضحِّي؛ فهذا يدلُّ أن الأضحية(11) عنده لغير الحاجِّ أفضل من الصَّدقة.
          قال ابن حبيب: هي أفضل من العتق ومن عظيم الصَّدقة؛ لأنَّ إحياء السُّنَّة أفضل من التطوُّع. وقال ربيعة: هي أفضل من صدقة سبعين دينارًا. قال غيره: ولم يحفظ عن النَّبيِّ ◙ أنَّه ترك الأضحية طول عمره، وندب أمَّته إليها، فلا ينبغي لموسر تركها، وإنَّما قال مالك(12): / إنَّ الصَّدقة بثمنها أفضل للحاجِّ بمنى من أجل أنَّه لا يرى على الحاجِّ(13) أضحية.


[1] في (ص): ((من)).
[2] في (ص): ((قبلَ ذلك)).
[3] زاد في (ص): ((وفي«المدونة»: من اشترى أضحية فحبسها حية حتى ذهبت أيام الذبح أنه آثم؛ إذ لم يضحِّ بها. وروي عنه أنه إن تركها بئس ما صنع، وهذا إنما يطلق في ترك الواجب)).
[4] في (ص): ((أبي حنيفة)).
[5] قوله: ((ولا بأس بتركها)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((ضحى)).
[7] قوله: ((عن)) ليس في (ص).
[8] في (ص): ((يتعرف)).
[9] في (ص): ((الأضحية)).
[10] قوله: ((إلي)) ليس في (ص).
[11] في (ص): ((الضحية)).
[12] قوله: ((مالك)) ليس في (ص).
[13] في (ص): ((لا يرى للحاج)).