شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب في أضحية النبي بكبشين أقرنين ويذكر سمينين

          ░7▒ بَابُ ضَحِيَّةِ النَّبيِّ صلعم بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيُذْكَرُ سَمِينَيْنِ.
          وَقَالَ سَهْلُ بْنُ حنيفٍ(1): كُنَّا نُسَمِّنُ الأضْحِيةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ.
          فيه: أَنَسٌ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ)، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ. [خ¦5553]
          وَقَالَ أَنَسٌ: انْكَفَأَ(2) النَّبيُّ صلعم إلى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. [خ¦5554]
          وفيه: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا على أَصَحَابِهِ ضَحَايَا(3)، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلعم فَقَالَ(4): ضَحِّ أَنْتَ بِهِ). [خ¦5555]
          قال المؤلِّف: روي عن النَّبيِّ ◙ أنَّه ضحَّى بكبشين، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثَّاني عن أمَّته، وروي عنه من طرق متواترة أنَّه ضحَّى بكبشين.
          روى(5) ابن وهب عن حَيْوة عن أبي صخر(6) عن ابن نشيط، عن عروة عن عائشة ((أنَّ النَّبيَّ صلعم أمرَ بكَبشٍ أقرنَ يطأُ في سوادٍ وينظرُ في سوادٍ ويبركُ في سوادٍ، ثمَّ ذبحَهُ، وقالَ: بسمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تقبَّل مِنْ محمَّدِ وآلِ محمَّدٍ ومِنْ أمَّتِهِ، ثمَّ ضحَّى بِهِ))، ذكره ابن المنذر.
          وذكر ابنُ وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم ويعقوب بن عبد الرَّحمن عن عَمْرو مولى المطَّلب عن المطلِّب بن عبد الله عن جابر بن عبد الله: ((أنَّ النَّبيَّ ◙ دعا بكبِشٍ(7) فذبحَهُ، وقال: بسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ، اللَّهُمَّ عنِّي وعَمَّنْ لم يُضحِّ مِنْ أُمَّتي)).
          وذكر الطَّحاويُّ حديث عائشة وحديث جابر، وذكر مثله من حديث أبي سعيد الخدريِّ، وهذه الآثار مبيِّنةٌ لمعنى حديث أنس ومفسِّرة له، واختلافها يدلُّ على أنَّ الأمر في ذلك واسع، فمن أراد أن يضحِّي عن نفسه باثنين وثلاثة، فهو أزيد في(8) أجره إذا أراد بذلك وجه الله وإطعام المساكين، وذهب مالك واللَّيث والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنَّه يجوز للرَّجل أن يضحِّي بالشَّاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، وروي مثله عن أبي هريرة وابن عمر، واحتجَّ أحمد بن حنبل بذبح النَّبيِّ عن أمَّته، قال ابن المنذر: وكره ذلك الثَّوريُّ وأبو حنيفة وأصحابه.
          وقال الطَّحاويُّ: لا يجوز أن يُضحِّي بشاة واحدة عن اثنين، وقالوا: إنَّ ما روي عن النَّبيِّ أنَّه ذبح عنه وعن أمَّته فذلك(9) منسوخ أو مخصوص، وممَّا يدلُّ على ذلك أنَّه لو كان الكبش يجزئ عن غير واحد لا(10) وقت ولا عدد في ذلك / لكانت البدنة والبقرة أحرى أن تكونا كذلك، ولمَّا رأينا النَّبيَّ صلعم وقَّتَ في البُدْنِ والبقر، فنحر في الحديبية كلَّ واحدة عن سبعة، دلَّ أنَّه لا تجزئ في البدنة والبقرة عن أكثر ممَّن ذُبِحت عنه يومئذ؛ وذلك سبعة، فالشَّاة(11) أحرى بذلك.
          قال ابن المنذر: والقول الأوَّل أولى للثَّابت عن النَّبيِّ صلعم.
          قال المؤلِّف: والنَّسخ لا يكون بالدَّعوى إلَّا بالنَّقل الثَّابت، واستعمال السُّنن أولى من إسقاط بعضها، ولا سلف للكوفيِّين في قولهم بالنَّسخ في ذلك، وقد تقدَّم حديث عقبة في باب قسمة الإمام الأضاحي بين أصحابه.
          والعَتُود: الجَذْعُ من المعز، وهو ابن خمسة أشهر، ولا يجوز الجذع من المعز في الضَّحايا، وإنَّما يجوز فيها الثَّنيُّ، وهو بعد دخوله في السَّنة الثَّانية، والحديث خاصٌّ لعقبة لا يجوز لغيره إلَّا لأبي بُرْدَة بن نيِّار، والذي(12) رخَّص له النبي صلعم في مثله، ولا يجوز لغيرهما.
          وقوله: (أَمْلَحَينِ) يعني أنَّهما بلون الملح، عن الطَّبريِّ.
          وقال صاحب «العين»: المُلْحَة والمَلَح: بياض يشوبه شيء من سواد، وكبش أملح وعنب ملاحي لضرب(13) منه في حبِّه طول.
          وقال أبو عبيد عن الكسائيِّ وأبي زيد: الأملح الذي فيه بياض وسواد، ويكون البياض أكثر.
          وقول سهل: (كنَّا نُسَمِّن الأُضْحِيةَ بالمدِينَةِ) فقد قال ابن عبَّاس في قوله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:32]قال: في الاستسمان والاستعظام والاستحسان.


[1] الذي في الصحيح: ((أبو أمامة بن سهل)) وأعاد ذكره في الشرح بعد أسطر أيضًا: ((سهل)) كما هنا.
[2] في (ز): ((أكفأ)) والمثبت من (ص).
[3] في (ز): ((وضحايا)) والمثبت من (ص).
[4] في (ز): ((فقال له للنبي صلعم)) والمثبت من (ص).
[5] في (ص): ((وروى)).
[6] في (ز): ((أبي ضحى)) والمثبت من (ص).
[7] في (ص): ((بكبشه)).
[8] في (ص): ((فهو أن يوفي)).
[9] قوله:((فذلك)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((ولا)).
[11] في (ص): ((والشاة)).
[12] في (ص): ((الذي)).
[13] في المطبوع: ((ضرب))، و في (ص): ((يضرب)).