شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قسمة الإمام الأضاحي بين الناس

          ░2▒ بَابُ قِسْمَةِ الإمَامِ الأضَاحِي بَيْنَ النَّاسِ.
          فيه: عُقْبَةُ بْنُ عَامِر، قَسَمَ النَّبيُّ صلعم بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صَارَتْ(1) جَذَعَةٌ، قَالَ: (ضَحِّ بِهَا). [خ¦5547]
          وأمَّا قسمة الرَّسول الضَّحايا بين أصحابه فإن كان قسمها بين الأغنياء لكانت من الفيء أو ما يجري مجراه ممَّا يجوز أخذه(2) للأغنياء، وإن كان إنَّما قسمها بين فقرائهم خاصَّة فكانت من الصَّدقة.
          وإنَّما أراد البخاريُّ بهذا الباب _والله أعلم_ ليريك أنَّ إعطاء النَّبيِّ صلعم الضَّحايا لأصحابه دليل على تأكيدها وندبهم إليها.
          فإن قيل: لو كان كما زعمت لم يخفَ ذلك على(3) الصَّحابة الذين قصدوا تركها وهم موسرون.
          قيل: ليس كما توهَّمت، ولم يتركها من تركها منهم لأنَّها غير وكيدة ولا مرغَّب فيها، وإنَّما تركوها(4) لما روى(5) معمر والثَّوريُّ عن أبي وائل قال: قال أبو مسعود الأنصاريُّ: إنِّي لأدع(6) الأضحى وأنا موسر مخافة أن يرى جيراني أنَّه حتمٌ عليَّ. وروى(7) الثَّوريُّ عن إبراهيم عن مهاجر عن النَّخَعِيِّ عن علقمة قال: لأن لا أضحِّي أحبُّ إليَّ من أن(8) أراه حتما عليَّ. وهكذا ينبغي للعالم الذي يقتدى به إذا خشى من العامَّة أن يلتزموا السُّنَنَ التِزَامَ الفرائض أن يتركوا فعلها ليتأسَّى بهم فيها ولئلَّا يختلط على النَّاس أمر دينهم فلا يفرِّقوا بين فرضه ونفله.
          وفي حديث عقبة من الفقه: أنَّه تجوز الضَّحايا بما تهدى إليك وبما لم تشتره بخلاف ما يعتقده عامَّة النَّاس.


[1] زاد في (ص): ((لي)).
[2] في (ص): ((أخذها)).
[3] في المطبوع: ((عن))، في (ص): ((من)).
[4] في (ص): ((تركها)).
[5] في (ص): ((روي عن)).
[6] في (ص): ((لأن أدع)).
[7] في (ز): ((روى)) والمثبت من (ص).
[8] قوله: ((أن)) زيادة من (ص).