شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من ذبح الأضاحي بيده

          ░9▒ بَابُ مَنْ ذَبَحَ الأضَاحِي بِيَدِهِ.
          فيه: أَنَسٌ (ضَحَّى النَّبيُّ صلعم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ على صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ). [خ¦5558]
          ذَبْحُ الرَّجل أضحيته بيده هي السُّنَّة، والعلماء يستحبُّون ذلك، قال أبو إسحاق السَّبيعيُّ: كان أصحاب محمَّد صلعم يذبحون ضحاياهم بأيديهم.
          قال مالك: وذلك من التَّواضع لله ╡ وأنَّ رسول الله صلعم كان يفعله، فإن أمر بذلك مسلمًا أجزأته وبئس ما صنع. وكذلك الهدي، وقد كان أبو موسى الأشعريُّ يأمر بناته أن يذبحن نسائكهنَّ(1) بأيديهنَّ، وروى الزُّهريُّ عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال لعائشة أو لفاطمة: ((اشْهَدِي(2) نسيكَتَكِ، فإنَّهُ يُغفَرُ لكِ عندَ أوَّلِ قَطرَةٍ مِنْ دَمِها)) وترجم له باب وضع القدم على صفحة الذَّبيحة، ومعنى ذلك _والله أعلم_ ليقوى على الإجهاز عليها، ويكون أسرع لموتها، لقوله ◙: ((إذا ذَبحتُمْ فأَحسِنوا الذَّبحَ، وليَحُدَّ أحدُكُم / شَفرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبيحَتَهُ)) وليس ذلك من تعذيبها المنهي عنه، إذ لا يقدر على ذبحها إلَّا بتفاقها(3).
          وقال ابن القاسم: الصَّواب أن يضجعها على شقِّها الأيسر، و على ذلك مضى عمل المسلمين، فإن جهل فأضجعها على الشِّقِّ الآخر لم يحرم عليه أكلها. وترجم له باب التَّكبير عند الذَّبح.
          قال المُهَلَّب: التَّكبير عند الذَّبح ممَّا أمر الله تعالى به لقوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ على مَا هَدَاكُمْ}[البقرة:185]وهذا على النَّدب والاستنان، ومعناه إحضار النِّيَّة لله تعالى لا لشيء من المعبودات التي كانت الجاهليَّة تذبح لها(4)، وكان الحسن البصريُّ يقول عند ذبح أضحيته: بسم الله والله أكبر، هذا منك ولك(5) تقبَّل من فلان.
          وكره أبو حنيفة أن يذكر مع اسم الله غيره، أن يقول: اللَّهُمَّ تقبَّل من فلان عند الذَّبح، ولا بأس بذلك قبل التَّسمية وقبل الذَّبح.
          وقال ابن القاسم: ليقل الذَّابح: بسم الله والله أكبر، وليس بموضع صلاة على النَّبيِّ صلعم، ولا يذكر هناك إلَّا الله وحده. وهو قول اللَّيث، وكان ابن عمر يقول: بسم الله والله أكبر.
          قال ابن القاسم: وإن سمَّى الله أجزأه، وإن شاء قال: اللَّهُمَّ تقبَّل منِّي. وأنكر مالك قولهم: اللَّهُمَّ منك ولك(6).
          وقال الشَّافعيُّ: التَّسمية على الذَّبيحة بسم الله، فإن زاد بعد ذلك شيئًا من ذكر الله ╡ أو صلى على محمَّد صلعم لم أكرهه، فإن(7) قال: اللَّهُمَّ تقبَّل منِّي، فلا بأس.
          وقال محمَّد بن الحسن: إن ذبح شاة فقال: الحمد لله، أو قال: سبحان الله والله أكبر، يريد بذلك التَّسمية، فلا بأس به(8)، وهذا كلُّه تسمية، قال(9) وإن قال: الحمد لله، يريد أن يحمده، ولا يريد به التَّسمية، فلا يجزئ شيء عن التَّسمية ولا يؤكل، وبه قال أبو ثور.


[1] في المطبوع: ((نسكهن)).
[2] في (ص): ((اشهدي)).
[3] كذا في النسخ، وفي عمدة القاري ((بتعافها)) وربما هي من فأق يفأق.
[4] في (ص): ((إليها)).
[5] زاد في (ص): ((اللَّهُمَّ)).
[6] في (ص): ((وإليك)).
[7] في (ص): ((وإن)).
[8] : قوله: ((به)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((قال)) ليس في (ص).