شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من ذبح ضحية غيره

          ░10▒ بَابُ مَنْ ذَبَحَ أضَحِيَةَ غَيْرِهِ وَأَعَانَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ في بَدَنَتِهِ، وَأَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلعم بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا لَكِ، أَنَفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هُوَ(1) أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ على بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِ بِالْبَيْتِ) وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ صلعم عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ. [خ¦5559]
          قال المهلِّب: في هذا الحديث حجَّة لرواية ابن عبد الحكم عن مالك أنَّه إن ذبح للرَّجل(2) أضحيته بغير أمره من يقوم بخدمته مثل(3) الولد أو بعض عياله، وذبحها على وجه الكفاية، أنَّها تجزئ عنه، كما ذبح الرَّسول عن أزواجه البقر.
          وقال الأبهريُّ: إذا ذبحها من يقوم بأمره كالأخ والوكيل فيجوز، لأنَّه ناب عنه وذبح عنه.
          واختلفوا إن أمر بذبحها غير مسلم، فكره ذلك عليُّ بن أبى طالب وابن عبَّاس وجابر ♥، ومن التَّابعين: ابن سيرين والشَّعبيُّ والحسن وربيعة، وقاله اللَّيث.
          وقال مالك: أرى أن يبدلها بأخرى حتَّى يذبحها هو بنفسه صاغرًا، فإن ذلك من التَّواضع، وكان رسول الله يذبح بنفسه. وكره ذلك الثَّوريُّ والكوفيُّون والشَّافعيُّ وأشهب صاحب مالك، فإن وقع أجزأ ذلك عندهم، وأجاز ذلك عطاء.
          وحجَّه هذه المقالة أنَّ الله تعالى أباح لنا ذبائحهم، وإذا كان لنا أن نولِّي ذبائحنا من تحلُّ لنا ذبيحته من المسلمين كان جميع من حلَّت لنا ذبيحته في معناه في أنَّه يقوم مقامه، ولا فرق بين ذلك.
          قال ابن المنذر: ومن كرهه فإنَّما هو على وجه الاستحباب لا على وجه التَّحريم.
          قال مالك: فإن ذبحها أجنبيٌّ مسلم بغير أمره لم تُجز عنه، وهو ضامن لها، وأجاز ذلك أبو حنيفة والشَّافعيُّ.
          وحجَّة من أجازها أنَّ من أصولهم أنَّ الضَّحيَّة تجب عندهم بالشِّراء قياسًا على ما اتَّفقوا عليه من الهدي إذا بلغ محلَّه فذبحه ذابح بغير أمره أنَّه(4) يجزئ عنه، لأنَّه شيء خرج من ماله لله ╡ فكأنَّ الذَّابح ذبحه للمساكين المستحقِّين له.
          وأمَّا مالك فالهدي عنده / مخالف للضَّحايا، فتجب الضَّحايا عنده بالذَّبح لا بالشِّراء، لأنَّه يجيز للمضحِّي أن يبدِّل أضحيته بأفضل منها وأسمن، فهي مفتقرة إلى نيَّة، فلذلك لم يجز أن يذبحها عنه أحد(5) بغير أمره، وقول مالك أولى بالحديث _والله أعلم_ وليس لأحد عنده أن يبدِّل هديه.


[1] في (ص): ((هذا)).
[2] في (ص): ((لرجل)).
[3] في (ص): ((من)).
[4] في (ص): ((أن)).
[5] في المطبوع: ((أحد عنه)).