شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الذبح بعد الصلاة

          ░11▒ بَابُ الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلاةِ.
          فيه: الْبَرَاءُ (سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَخْطُبُ، فَقَالَ: إِنَّ(1) أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّي، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ(2) فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيْءٍ)، فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّي وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ؟ قَالَ: (اجْعَلْهَا مَكَانَهَا وَلَنْ تجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ). [خ¦5560]
          وترجم له.
          بابُ مَنْ ذَبَحَ قَبلَ الصَّلاةِ أَعَادَ.
          وزاد فيه: حديثَ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: (شَهِدْتُ النَّبيَّ صلعم يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ(3): مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ). [خ¦5562]
          قال المؤلِّف: سنَّة الذَّبح بعد الصَّلاة، وأجمع العلماء أنَّ من ذبح قبل الصَّلاة فعليه الإعادة، لأنَّه ذبح قبل وقته، واختلفوا فيمن ذبح بعد الصَّلاة وقبل ذبح الإمام، فذهب أبو حنيفة والثَّوريُّ واللَّيث إلى أنَّه يجوز ذلك، واحتجُّوا بحديث البراء أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: (إنَّ(4) أوَّلَ ما نبدأُ بِهِ في يَومِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثمَّ نَرجِعَ فَنَنحَرَ) وبقوله في حديث جُنْدب بن سفيان: (مَنْ ذبحَ قبلَ أنْ يُصلِّيَ فَلْيُعِدْ(5)) قالوا: فإذا حلَّ للإمام الذَّبح بتمام الصَّلاة حلَّ لغيره، ولا معنى لانتظاره.
          وقال مالك والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ: لا يجوز لأحد أن يذبح قبل الإمام، واحتجُّوا بحديث ابن جُريج عن أبي الزُّبير عن جابر: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى يومَ النَّحرِ بالمدينةِ، فتقدَّمَ رجالٌ فنحروا وظنُّوا أنَّ النَّبيَّ صلعم قد نَحرَ، فأمرَهم أنْ يُعِيدُوا)).
          وقال الحسن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ}[الحجرات:1]قال: نزلت في قوم نحروا قبل أن ينحر النَّبيُّ صلعم.
          ودفع الطَّحاويُّ حديث ابن جُريج عن أبي الزُّبير عن جابر، وقال: رواه حمَّاد بن سلمة عن أبي الزُّبير عن جابر: ((أنَّ رجلًا ذبحَ قبلَ أنْ يصلِيَ النَّبيُّ صلعم فنَهَى رسولُ اللهِ صلعم أنْ يَذبَحَ أحدٌ قبلَ الصَّلاةِ)) قال: ففي هذا الحديث أنَّ النَّهي من النَّبيِّ صلعم إنَّما قصد به إلى النَّهي قبل الصَّلاة لا قبل ذبحه، هو ولا يجوز أن ينهاهم عن الذَّبح قبل أن يصلِّي إلَّا وهو يريد بذلك(6) إعلامهم إباحة الذَّبح لهم بعدما يصلِّي(7)، وإلَّا لم يكن لذكر الصَّلاة معنى.
          قالوا:(8) ويشهد لهذا قوله ◙ في حديث البراءِ: (إنَّ(9) أوَّلَ نسكنا في يومِنا هذا أنْ نبدأَ بالصَّلاةِ، ثمَّ نرجعَ فننحرَ) فأخبر أنَّ النُّسك يوم النَّحر إنَّما هو الصَّلاة، ثمَّ الذَّبح بعدها، فدلَّ ذلك على أنَّ ما يحلُّ به الذَّبح هو الصَّلاة لا نحر الإمام الذي يكون بعدها، وأنَّ حكم النَّحر قبل الصَّلاة خلاف حكمه بعدها، وأمَّا من طريق النَّظر فإنَّا رأينا الإمام لو لم ينحر أصلا لم يكن ذلك بمسقط(10) عن النَّاس النَّحر، ولا بمانع(11) لهم منه. ولو أنَّ إمامًا تشاغل يوم النَّحر بقتال عدوٍّ أو غيره فلم ينحر أنَّ لغيره ممَّن أراد الأضحية(12) أن يضحِّي، فإن قال: ليس له أن يضحِّي. خرج من قول جميع الأئمَّة(13)، وإن قال: لهم أن يضَّحوا بعد زوال الشَّمس لذهاب وقت الصَّلاة. فدلَّ أنَّ ما حلَّ به النَّحر ما كان وقت صلاة العيد، إنَّما هو الصَّلاة لا نحر الإمام، ألا ترى أنَّ الإمام لو نحر قبل أن يصلِّي لم يجزئه(14) ذلك؟ وكذلك سائر النَّاس، فكان حكم الإمام والنَّاس في الذَّبح قبل الصَّلاة سواء في أن لا يجزئهم، فالنَّظر على ذلك أن يكون الإمام وسائر النَّاس أيضًا(15) سواء في الذَّبح بعد الصَّلاة، أنَّه يجزئهم كلَّهم.
          وقال(16) المُهَلَّب: إنَّما كره الذَّبح قبل الإمام _والله أعلم_ لئلَّا يشتغل النَّاس عن(17) الصَّلاة ويحرمها المساكين / مع المشتغلين بالذَّبح، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم قد أمر بإخراج العَوَاتق وغيرهنَّ(18) ليشهدوا بركة دعوة المسلمين؟
          واختلفوا في وقت ذبح أهل البادية، فقال مالك: يذبح أهل البوادي إذا نحر أقرب أئمَّة(19) القرى إليهم(20)، فإن أخطؤوا وذبحوا قبله(21) أجزأهم. وقال عطاء: يذبح أهل القرى بعد طلوع الشَّمس.
          وقال الشَّافعيُّ: وقت الذَّبح وقت صلاة النَّبيِّ صلعم من حين حلَّت الصَّلاة، وقدر خطبتين، وأمَّا صلاة من بعده فليس فيها وقت. وبه قال أحمد.
          وقال أبو حنيفة وأصحابه: من ذبح من أهل السَّواد بعد طلوع الفجر أجزأه؛ لأنَّه ليس عليهم صلاة العيد. وهو قول الثَّوريِّ وإسحاق.


[1] قوله: ((إن)) ليس في (ص).
[2] زاد في (ص): ((هذا)).
[3] في (ص): ((قال)).
[4] قوله: ((إن)) ليس في (ص).
[5] زاد في (ص): ((فليعد)).
[6] قوله: ((بذلك)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((يصل)).
[8] قوله: ((قالوا)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((إن)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((ليسقط)).
[11] في (ص): ((مانع)).
[12] في (ص): ((الضحية)).
[13] في (ص): ((الأمة)).
[14] في (ص): ((لم يجزه)).
[15] قوله: ((أيضًا))ليس في (ص)
[16] في (ص): ((قال)).
[17] في (ص): ((قبل)).
[18] في (ص): ((وغيرهم)).
[19] قوله: ((أئمة)) ليس في (ص).
[20] قوله: ((إليهم)) ليس في (ص).
[21] في (ص) لعلها: ((قبلنا)).