عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: لم تكن تقطع يد السارق في أدنى من حجفة أو ترس
  
              

          6793- (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي أَدْنَى مِنْ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو ثَمَنٍ.
          (ش) هذا طريقٌ آخرُ في حديث عائشة, وهو موقوفٌ، أخرجه عن (مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ) المَرْوَزِيِّ, عن (عبد الله) ابن المبارك المَرْوَزِيِّ... إلى آخره.
          وأخرجه النَّسائيِّ في (القطع) عن سُوَيد بن نصرٍ عن ابن المبارك به.
          قوله: (فِي أَدْنَى) أي: في أقلِّ.
          قوله: (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أي: مِنَ الحجفة والترس، و(كلُّ واحدٍ) كلامٌ إضافيٌّ مرفوعٌ على أنَّهُ مبتدأٌ، وقوله: (ذُو ثَمَنٍ) خبره, وقال بعضهم: وكان كلُّ واحدٍ منهما ذا ثمنٍ، وزاد فيه لفظ: (كان) ونصب (ذا ثمنٍ)، ثُمَّ قال: كذا ثبت في الأصول، ثُمَّ قال: وأفاد الكَرْمانيُّ في أنَّهُ وقع في بعض النُّسَخ: <كان كلُّ واحدٍ منهما ذو ثمن> بالرفع، وخرَّجه على تقدير ضميرِ الشأن في «كان» انتهى.
          قُلْت: هذا / التصرُّف منهما ما أبعده! أَمَّا قول هذا القائل: (كذا ثبت في الأصول) غير مسلَّمٍ، بل الذي ثبت في الأصول هو العبارة التي ذكرناها؛ لأنَّها على القاعدة السالمة عن الزيادة فيه المؤدِّية إلى تقدير شيءٍ، وأَمَّا كلام الكَرْمانيِّ (بأنَّه وقع في بعض النُّسَخ) غيرُ مسلَّمٍ أيضًا؛ لأنَّ مثل هذا الذي يحتاج فيه إلى تأويلٍ غالبًا مِنَ النُّسَّاخ الجَهَلة.
          وقال الكَرْمانيُّ أيضًا: قوله: «ذُو ثَمَنٍ» إشارةٌ إلى أنَّ القطع لا يكون فيما قلَّ، بل يختصُّ بما له ثمنٌ ظاهرٌ.
          قُلْت: زاد الإبهام على ما في الحديث مِنَ الإبهام! فإذا كان التُّرس المسروق يساوي أقلَّ مِن ربع دينارٍ؛ فينبغي أن يُقطَع؛ لأنَّه ثمنٌ ظاهرٌ، ولو كان درهمًا واحدًا، وإمامه لم يقل به.
          (ص) رَوَاهُ وَكِيعٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا.
          (ش) أي: روى الحديثَ المذكورَ وكيعُ بن الجرَّاح الكوفيُّ وعبد الله بن إدريس الأوديُّ الكوفيُّ، عن هشام، عن أبيه مرسلًا؛ لأنَّه لم يرفع إسناده، وقال الكَرْمانيُّ: لعلَّه خلاف الاصطلاح المشهور في المرسلات, أَمَّا رواية وكيعٍ فأخرجها ابن أبي شَيْبَةَ في «مصنَّفه» عنه، ولفظه: عن هشامٍ عن أبيه قال: كان السارق في عهد النَّبِيِّ صلعم يُقطَع في ثمن المجنِّ، وكان المجنُّ يومئذٍ له ثمنٌ، ولم يكن قطعٌ في الشيء التافه، وأَمَّا رواية عبد الله بن إدريس فأخرجها عنه الدَّارَقُطْنيُّ في «العلل» والبَيْهَقيُّ مِن طريق يوسف بن موسى، عن جريرٍ ووكيعٍ وعبد الله بن إدريس؛ ثلاثتهم عن هشامٍ، عن أبيه... فذكره.