عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}
  
              

          ░13▒ (ص) [بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:38]].
          (ش) أي: هذا بابٌ في ذكر قول الله تعالى... إلى آخره، إِنَّما ترجم الباب بهذه الآية الكريمة لبيان أنَّ قطع يد السارق ثبتَ بالقرآن وبالأحاديث أيضًا، وأطلق (اليد) والمراد به: اليمين، يدلُّ عليه قراءة ابن مسعودٍ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمُا} رواه الثَّوْريُّ عن جابر بن يزيد عن عامر بن شراحيل الشَّعبيِّ عن ابن مسعودٍ.
          و(الْسَّرِقَة) على وزن (فَعِلة) بفتح الفاء وكسر العين، مِن سَرَق يَسرِق مِن (باب ضرب يضرِب) وهي في اللُّغة: أخذ الشيء خُفيةً بغير إذن صاحبه، مالًا كان أو غيره، وفي الشرع: هي أخذ مكلَّفٍ خفيةً قدر عشرة دراهم مضروبةٍ محرزةٍ بمكانٍ أو حافظٍ، وفي المقدار خلافٌ سنذكره.
          (ص) وَفِي كَمْ يُقْطَعُ؟
          (ش) أي: في مقدار كم مِنَ المال يُقطَع؟ وفيه خلافٌ كثيرٌ، فقالت الظاهريَّة: يُقطَع في القليل والكثير ولا نصاب له، وعند الحَنَفيَّة: عشرة دراهم، وعند الشَّافِعِيِّ: ربع دينارٍ، وعند مالكٍ: قدر ثلاثة دراهم، وروى ابن أبي شَيْبَةَ عن أبي هُرَيْرَة وعن أبي سعيدٍ أنَّهما قالا: لا تُقطَع اليد إلَّا في أربعة دراهم فصاعدًا، وقطع ابنُ الزُّبَير في نعلين، وقال ابن معمرٍ: كانوا يتسارقون السياط، فقال عثمان: لئن عدتم لأقطعنَّ فيه، وكان عروة بن الزُّبَير والزُّهْريُّ وسليمان بن يسارٍ يقولون: ثمن المجنِّ خمسة دراهم، وحكى أبو عمر في «استذكاره» عن عثمان البَتِّيِّ: يقطع في درهم، وروى منصورٌ عن الحسن: أنَّهُ كان لا يؤقِّت في السرقة شيئًا ويتلو: {وَالسَّارِقُ وَالْسَّارِقَةُ}، وفي رواية قتادة عنه: أجمع على درهمين، وذكر عن / النَّخَعِيِّ: أربعون درهمًا، وعن ابن الزُّبَير: أنَّهُ قطع في نصف درهم، وعن زيادٍ: في درهمين، وعن أبي سعيدٍ: في أربعة، وقيل: يُقطَع في كلِّ ما له قيمةٌ قلَّ أو كثر.
          (ص) وَقَطَعَ عَلَيٌّ ☺ مِنَ الكَفِّ.
          (ش) أي: قطع عليُّ بن أبي طالبٍ يد السارق مِنَ الكفِّ، رواه أبو بكرٍ عن وكيعٍ، عن سَمُرة بن مَعْبَدٍ أبي عبد الرَّحْمَن قال: رأيت أبا خَيْرَة مقطوعًا مِنَ المفصل، فقُلْت: مَن قطعك؟ فقال: الرجل الصالح عليٌّ، أَمَا إنَّهُ لم يظلمني، وحكى ابن التين عن بعضهم قطع اليد مِنَ الإبط، وهو بعيدٌ عجيبٌ، وروى سعيد بن منصورٍ عن حمَّاد بن زيدٍ، عن عَمْرو بن دينارٍ قال: كان عمر ☺ يقطع من المفصل، وعليٌّ يقطع مِن مشط القدم، وروى ابن أبي شَيْبَةَ مِن طريق أبي خَيْرَة: أنَّ عليًّا قطعه مِن المفصل، وذكر الشَّافِعِيُّ في كتاب «اختلاف عليٍّ وابن مسعودٍ»: أنَّ عليًّا كان يقطع مِن يد السارق الخنصر والبنصر والوسطى خاصَّةً، ويقول: أستحي مِن الله أن أتركه بلا عملٍ، ووقع في بعض نسخ البُخَاريِّ: <وقطع عليٌّ الكفَّ> بدون كلمة (من).
          (ص) وَقَالَ قَتادَةُ فِي امْرَأةٍ سَرَقَتْ: فَقُطِعَتْ شِمالُها لَيْسَ إلَّا ذَلِكَ.
          (ش) وصله أحمد في «تاريخه» عن مُحَمَّد بن الحسن الواسطيِّ، عن عوفٍ الأعرابيِّ عنه هكذا، وبِقولِ قتادة قال مالكٌ، وقال ابن الماجشون: لا يجزئ ذلك، وإذا تعمَّد القاطع قطع شماله، قال الأبهريُّ: فيها نظرٌ، ويجوز أن يقال: عليه القود، وعن مالكٍ وأبي حنيفة: إذا غلط القاطع فقطع اليسرى؛ أنَّهُ يجزئ عن قطع اليمين، ولا إعادة عليه، وعن الشَّافِعِيٍّ وأحمد: على القاطع المخطئ الدية، وفي وجوب إعادة القطع قولان عند الشَّافِعِيِّ، وروايتان عند أحمد، ☼.