عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا
  
              

          6789- (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا».
          (ش) مطابقته لقوله في الترجمة: (وفي كم يُقطَع؟) ظاهرةٌ، والحديث يوضِّحها أيضًا لأنَّها مبهمةٌ.
          و(إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) ابن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوفٍ.
          قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ) بنت عبد الرَّحْمَن الأنصاريَّة.
          والحديث أخرجه بقيَّة الجماعة؛ فمسلم في (الحدود) أيضًا عن يحيى بن يحيى وآخرين, وأبو داود فيه عن أحْمَد ابن حَنْبَل, والتِّرْمِذيُّ فيه عن عليِّ بن حُجْرٍ, والنَّسائيُّ في (القطع) عن إسحاق بن إبراهيم وغيره, وابن ماجه في (الحدود) عن أبي مروان مُحَمَّد بن عثمان, وقال المِزِّيُّ: رُوِيَ هذا الحديثُ عن الزُّهْريِّ عن عروة [وحده، ورُويَ عنه عن عَمْرة وحدها، ورُويَ عنه عنهما جميعًا، ورُويَ عنه عن عروة] عن عَمْرة عن عائشة.
          قوله: (تُقْطَعُ الْيَدُ) أي: يدُ السارق.
          قوله: (فَصَاعِدًا) نصبٌ على الحال المؤكِّدة؛ أي: ذهب ربعُ دينار حالَ كونه صاعدًا إلى ما فوقه، ويؤيِّده ما وقع في رواية مسلمٍ عن سُلَيمان بن يسارٍ عن عَمْرة: (فما فوقه)، وقال صاحب «المحكَم»: يختصُّ هذا بالفاء، ويجوز «ثُمَّ» بدلها، ولا يجوز الواو [...].
          واحتجَّت الشَّافِعِيَّة بهذا الحديث أنَّ ربع الدينار أصلٌ في القطع، ونصٌّ فيه لا ما سواه, قالوا: وحديث ثمن المجنِّ وأنَّهُ كان ثلاثة دراهم لا ينافي هذا؛ لأنَّه إذ ذاك كان الدينار اثنَي عشر درهمًا، فهي ثمن ربع دينارٍ، فأمكن الجمع بهذا الطريق، ويُرْوَى هذا عن عُمَر بن الخَطَّاب، وعثمان بن عفَّان، وعليُّ بن أبي طالبٍ ♥ ، وبه يقول عُمَر بن عبد العزيز، ومالكٌ واللَّيث بن سعدٍ والأوزاعيُّ وإسحاق في روايةٍ، وأبو ثورٍ وداود بن عليِّ الظاهريُّ، وقال أحمد: إذا سرق مِنَ الذهب ربع دينارٍ قُطِعَت، وإذا سرق مِنَ الدراهم ثلاثة دراهم قُطِعَت، وعنه: أنَّ نصابها ربع دينارٍ، أو ثلاثة دراهم، أو قيمة ثلاثة دراهم مِنَ العروض، والتقويم بالدراهم خاصَّةً، والأثمان أصولٌ لا يقوَّم بعضها ببعضٍ، وعنه: أنَّ نصابها ثلاثة دراهم، أو قيمة ذلك مِن الذهب والعروض، وقال عطاء / بن أبي رَبَاحٍ وإبراهيم النَّخَعِيُّ وسفيان الثَّوْريُّ وأيمن الحبشيُّ وحمَّاد بن أبي سليمان وأبو حنيفة ومُحَمَّدٌ وأبو يوسف وزفر: لا تُقطَع حَتَّى يكون عشرة دراهم مضروبة، وقال الكاسانيُّ: ورُوِيَ عن عمر وعثمان وعليٍّ وعبد الله بن مسعودٍ مثل مذهبنا، واحتجُّوا في ذلك بما رواه الطَّحَاويُّ: حَدَّثَنَا ابن أبي داود وعبد الرَّحْمَن بن عَمْرٍو الدِّمَشْقيُّ قالا: حدَّثنا أحمد بن خالدٍ الوهبيُّ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسحاق، عن أيُّوب بن موسى، عن عطاءٍ، عن ابن عَبَّاسٍ قال: كان قيمة المجنِّ الذي قطع فيه رسولُ الله صلعم عشرة دراهم، ورواه النَّسائيُّ: حَدَّثَنَا عُبيد الله بن سعدٍ: أخبرنا عمِّي: أخبرنا أبي، عن ابن إسحاق: حدَّثني عَمْرو بن شُعَيْب: أنَّ عطاء بن أبي رَبَاحٍ حدَّثه: أنَّ عبد الله بن عَبَّاسٍ كان يقول: ثمنه عشرة دراهم، وأخرج النَّسائيُّ أيضًا مِن حديث عَمْرو بن شُعَيْب عن أبيه عن جدِّه قال: كان ثمن المجنِّ على عهد رسول الله صلعم عشرة دراهم.
          (ص) تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ خَالِدٍ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْريِّ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ.
          (ش) أي: تابع إبراهيمَ بنَ سعد عبدُ الرَّحْمَن بن خالدٍ الفَهْميُّ المِصريُّ واليها، وتابعه أيضًا ابن أخي الزُّهْريِّ؛ وهو مُحَمَّد بن عبد الله بن مسلمٍ, وتابعه أيضًا مَعْمَر بن راشدٍ، وهؤلاء الثلاثة تابعوا إبراهيمَ بن سعدٍ في روايتهم عن الزُّهْريِّ في الاقتصار على عَمْرة.
          أَمَّا متابعة عبد الرَّحْمَن بن خالدٍ وابن أخي الزُّهْريِّ؛ فقال صاحب «التلويح» وتبعه صاحب «التوضيح»: فرواها مُحَمَّد بن يحيى الذهليُّ في كتابه «علل أحاديث الزُّهْريِّ» عن رَوْح بن عُبَادَة ومُحَمَّد بن بكرٍ عنهما، وقال بعضهم: قرأتُ بخطِّ مغلطاي _وقلَّده شيخُنا ابن الملقِّن: أنَّ الذُّهليَّ أخرجه في «عِلَل أحاديث الزُّهْريِّ» عن مُحَمَّد بن بكرٍ وروح بن عُبَادَة جميعًا، عن عبد الرَّحْمَن، وهذا الذي قاله لا وجود له، بل ليست لروحٍ ولا لمُحَمَّد بن بكرٍ عن عبد الرَّحْمَن رواية أصلًا.
          قُلْت: أراد بـ(مغلطاي) صاحب «التلويح» وبـ(شيخه) صاحب «التوضيح»، وهذا منه كلامٌ لا وجهَ له مِن وجوهٍ؛ الَاوَّل: أنَّهُ نافٍ، والمثبِت مقدَّمٌ على النافي , والثاني: أنَّ عدم اطِّلاعه على ذلك لا يستلزم عدمَ اطِّلاع صاحب «التلويح» عليه, والثالث: فيه القدحُ لصاحب «التلويح» مع أنَّهُ تبعه شيخُه باعترافه، فلا يُترَك كلامُ شيخينِ عارفينِ بهذه الصنعة _مع اطِّلاعهما على كتبٍ كثيرةٍ مِن هذا الفنِّ_ ويُصغَى إلى كلام مَن يطعن في الأكابر! والرابع: أنَّ نفيَ رواية روحٍ ورواية مُحَمَّدٍ بن بكرٍ عن عبد الرَّحْمَن بن خالدٍ يحتاج إلى معرفة تاريخ زمانهم، فلا يُحكَم بذلك بلا دليلٍ.
          وأَمَّا متابعة معمرٍ فرواها مسلمٌ في «صحيحه» عن إسحاق بن إبراهيم وابن حميدٍ؛ كلاهما عن عبد الرَّزَّاق عن معمرٍ، ولكن لم يسُق لفظه.