الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض

          ░16▒ (بَابُ نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعَرَهَا عِنْدَ غُسْلِ المَحِيضِ): ولابن عساكر: <باب من رأى نقض المرأة..إلخ>: أي: هل يجب نقضه أم لا؟
          وظاهر حديث الباب: يقتضي الوجوب، وبه قال الحسن البصري وطاووس في الحائض دون الجنب، وحكي عن النخعي.
          قال ابن الملقن: ولا يتبين بينهما فرق، ولم يوجب عليها فيهما الجمهور، وهو مذهب عائشة، وأم سلمة، وابن عمر، وجابر، وبه قال مالك.
          قال في ((الفتح)): وبه قال أحمد أيضاً، والشافعي، والكوفيون، وعامة الفقهاء، وإنما العبرة بوصول الماء؛ فإن لم يصل فلتنقض.
          وقول ابن قدامة: لا أعلم أحداً قال بوجوبه إلا ما روي عن عبد الله بن عمر ☺ يرد عليه ما ذكرناه عن الحسن، وطاووس، والنخعي.
          قال في ((الفتح)): وهو في مسلم عن ابن عمر، وفيه إنكار عائشة عليه الأمر بذلك؛ لكن ليس فيه تصريح بأنه كان يوجبه.
          وقال النووي: حكاه أصحابنا عن النخعي، واستدل الجمهور على عدم الوجوب بحديث أم سلمة: قالت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفانقضه لغسل الجنابة؟ قال: (لا)، رواه مسلم، وفي رواية له: (للحيضة والجنابة)، وحملوا الأمر في حديث الباب على الاستحباب جمعاً بين الروايتين، أو يجمع بالتفصيل بين من لا يصل الماء إليها إلا بالنقض فيلزم، وإلا فلا. انتهى.
          وأقول: يؤيد حمل حديث عائشة على الاستحباب أنه مذهبها، كما تقدم.
          وقال ابن بطال: اختلفوا في نقض المرأة شعرها للاغتسال، فعن ابن عمر أنه كان يأمر النساء بالنقض، وقال طاووس: تنقض الحائض لا الجنب، وقال الجمهور: ليس عليها النقض مطلقاً إذا وصلت إلى أصول شعرها، وعمته بالغسل لحديث أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفانقضه للجنابة؟ قال: (لا إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات)، وحديث عائشة أصح إسناداً، غير أن عَمل الفقهاء على حديث أم سلمة، وجمع حماد بين الحديثين فقال: إن كانت ترى أن الماء أصاب أصول شعرها أجزأها، وإلا فلتنقضه. انتهى.
          وأقول: لا خلاف في الحقيقة، فتأمل.