الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض

          ░13▒ (بَابُ دَلْكِ): بفتح الدال المهملة وسكون اللام، فهو من إضافة المصدر لفاعله (المَرْأَةِ نَفْسَهَا): أي: طليه (إِذَا تَطَهَّرَتْ): / أي: اغتسلت (مِنَ المَحِيضِ): بالميم بمعنى: الحيض (وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ، وَتَأْخُذُ فِرْصَةً): عطف على (تغتسل) المعطوف على (دلك المرأة): أي: قطعة من قطن مثلاً، وسيأتي الكلام عليهَا في باب (مُمَسَّكَةً): بتشديد السين: اسم مفعول؛ أي: مجعولاً عليها المسك، وهو أولى من غيره.
          قال في (المنحة): وفي نسخة: (من مسك)، وهي الموافقة لما في الحديث على ما سيأتي فيه، وإن كانت الأولى أقرب معنى. انتهى.
          (فَتَتَبَّعُ): مضارع الغائبة من باب التفعل فهو بتشديد الموحدة بعد تاءين مفتوحتين، وأصله: بثلاث تاءات تاء مضارع الغائبة، وتاء الفعل، والتاء التي هي فاء الفعل، حذفت إحداها تخفيفاً، وفي الفرع: (فتتَّبِع): بتشديد التاء الثانية وكسر الموحدة الخفيفة، وليست هذه من باب التفعيل، وإنما هي من باب الافتعال، ووزن مضارعها: تفتعل وماضيها: افتعل كاجتمع، فافهم.
          ولأبي ذر: <فتَتْبَع>: بفتح التاء الأولى وسكون الثانية وفتح الموحدة، ويجوز: فتُتْبِع: بضم الفوقية الأولى وسكون الثانية وكسر الموحدة.
          وفي (المنحة): (فتتبع) في نسخة: (تتبع): بلا فاء وهي على النسختين مشددة التاء أو مخففتها مع ضم الفوقية، أو فتح الموحدة. انتهى.
          (بِهَا): أي: بالفرصة (أَثَرَ الدَّمِ): بفتحتين؛ أي: موضعه.
          قيل: ليس في الحديث ما يطابق جميع الترجمة؛ لأنه ليس فيه كيفية الغسل، ولا الدلك، بل فيها أخذ الفرصة الممسكة، والتتبع بها أثر الدم مع أن الترجمة مشتملة على الأربعة؟
          وأجاب الكرماني _ككثيرين_ بأن تتبع أثر الدم يستلزم الدلك، وبأن المراد من كيفية الغسل: الصفة المختصة بغسل المحيض، وهي التطيب لا نفس الاغتسال؛ لأنه معلوم.
          قال في ((الفتح)): وهو حسن على ما فيه من كلفة، وأحسن منه: أن المصنف جرى على عادته في الترجمة بما تضمنه بعض طرق الحديث، وإن لم يكن على شرطه، فقد رواه مسلم من طريق أخرى فيها شرح كيفية الاغتسال المسكوت عنها في رواية منصور عنده أيضاً، وعند مسلم أيضاً، ولفظ تلك الطريق الأخرى: فقال: (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شُؤُون رأسها _بشين مضمومة فهمزة كذلك فنون؛ أي: أصوله_ ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها).
          فهذا مراد الترجمة لاشتماله على كيفية الغسل والدلك، وإنما لم يخرج المؤلف هذه الطريق لكونها من رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفية عن عائشة، وليس هو على شرطه.