الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: العبد راع في مال سيده

          ░19 ▒ (بابٌ) بالتنوين (الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ) أي: فيلزَمُه حفظُه، ولا يتصرَّفُ فيه إلا بإذنِه (وَنَسَبَ) بفتحات (النَّبِيُّ صلعم الْمَالَ) أي: الذي تحتَ يدِ العبد (إِلَى السَّيِّدِ) متعلِّقٌ بـ((نسب)) وفي بعض النُّسخ: <إلى سيِّدِه> بالإضافةِ إلى ضمير العبد.
          قال في ((الفتح)): كأنَّه يشيرُ بذلك إلى حديثِ ابنِ عمرَ: ((مَن باع عبداً وله مالٌ فمالُه للسيد)) انتهى.
          قال شيخُ الإسلام: ويُرَدُّ بأنَّ نسبةَ المالِ إلى السيدِ بعد البيع في الحديثِ إنَّما هو مفرَّعٌ على القول بأنَّ العبد يملِكُ بقرينةِ نسبةِ المال إلى العبدِ في صدر الحديث، قال: وقد يُجابُ بأنَّ نسبةَ المال إليه للاختصاصِ لا للمِلكِ، انتهى، فتدبَّرْ.
          وقال الكِرمانيُّ: أراد البخاريُّ بقولِه: ((نسَبَ النبيُّ...)) إلخ، بيانَ أنَّ العبدَ لا يملِكُ، ومَنْ قال: يملِكُ، احتجَّ بقولِه تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32] انتهى، والقولُ بأنَّ العبدَ لا يملِكُ هو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأبي حنيفةَ / ؛ لأنَّ الرِّقَّ مُنافٍ للمِلك، كذا في القسطلانيِّ، لكن تقدَّمَ قبلُ بستَّةِ أبوابٍ في كلام ((الفتح)) أنَّه اختلفَ قولُ مالكٍ، فقال: مَن باع عبداً وله مالٌ فمالُه للذي باعَه إلا بشرطٍ، وقال فيمَنْ أعتَقَ عبداً وله مالٌ: فالمالُ للعبدِ إلا بشرطٍ، انتهى.
          وقال أيضاً هناك: وقالت طائفةٌ: إنه يَملِكُ، ورُويَ ذلك عن عمرَ وغيرِه، انتهى.
          ولم يتعرَّضْ هو ولا القسطَلانيُّ لمذهبِ أحمدَ، ومذهبُه كالشافعيِّ، ورويَ أيضاً هذا عن ابنِ مسعودٍ وابن عباسٍ وأبي هريرةَ، وبه قال سعيدُ بنُ المسيَّبِ والثَّوريُّ وإسحاقُ. قال العَينيُّ: وهذه الترجمةُ بعينِها مضَتْ في آخرِ كتابِ الاستقراض: وقالت طائفةٌ: مالُه له دون سيِّدِه في العتقِ والبيع، وروي ذلك عن عمرَ وابنِه وعائشةَ ♥، قال: وبه قالَ النَّخَعيُّ والحسَنُ، انتهى.
          وأقول: وحاصلُ ما تقدَّمَ أنَّ المذاهبَ في ذلك ثلاثةٌ، فافهم.
          ثم قال في ((الفتح)): وكلامُ ابنِ بطَّالٍ يشيرُ إلى أنَّ ذلك مُستفادٌ من قولِهِ: ((العبدُ راعٍ في مالِ سيِّدِه)) فإنه قال في شرح حديث الباب: فيه حُجَّةٌ لمَنْ قال: إنَّ العبدَ لا يَملِكُ، وتعقَّبَه ابنُ المنيِّر بأنه لا يلزَمُ من كونِه راعياً في مال سيِّدِه أن لا يكونَ هو له مالٌ، فإن قيل: فاشتِغالُه برعايةِ مالِ سيِّدِه يستوعبُ أحوالَه، فالجوابُ: إنَّ المطلَقَ لا يفيدُ العمومَ، ولا سيَّما إذا سِيقَ لغيرِ قصدِ العمومِ، وحديثُ البابِ إنما سِيقَ للتَّحذيرِ من الخيانةِ والتخويفِ بكونِه مسؤولاً ومُحاسَباً، فلا تعلُّقَ له بكونِه يملِكُ أو لا يملِكُ، انتهى، فاعرِفْه.