الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين أو أمة بين الشركاء

          ░4▒ (بابٌ إِذَا أَعْتَقَ) بفتح الهمزة أولَه؛ أي: الشَّخصُ (عَبْداً بَيْنَ اثْنَيْنِ) أي: مُشترَكاً بينهما، ومثلُه المشترَكُ بين أكثرَ من اثنَين (أَوْ أَمَةً) أي: أو أعتقَ أمَةً مشترِكةً (بَيْنَ الشُّرَكَاءِ) جمعُ شَريك، كظَريفٍ وظُرَفاءَ، ومثلُ الشُّرَكاءِ الشَّريكان، فهو من قَبيلِ الاحتِباكِ، وجوابُ ((إذا)) محذوفٌ يُعلَمُ من أحاديثِ الباب، قال الكِرمانيُّ: وإنما خصَّصَ العبدَ بالاثنَين والأمَةَ بالشُّرَكاءِ مُحافظةً على لفظِ الحديثِ، وإلَّا فالحكمُ سواءٌ في الجميعِ، انتهى، فتأمَّلْ.
          وقال ابنُ التِّين: أراد أنَّ العبدَ كالأمَةِ؛ لاشتراكِهما في الرِّقِّ، قال: وقد بيَّنَ في حديثِ ابنِ عمرَ أنه كان يُفتي فيهما بذلك، انتهى.
          وقال في ((الفتح)): وكأنَّه أشارَ إلى ردِّ قولِ إسحاقَ بنِ راهوَيهِ أنَّ هذا الحُكمَ مُختَصٌّ بالذكورِ، قال: وهو خطأٌ، قال: وادَّعى ابنُ حَزْمٍ أنَّ لفظَ العبدِ في اللغةِ يتناولُ الأمَةَ، وفيه نظرٌ، ولعلَّه أرادَ المملوكَ، وقال القُرطبيُّ: العبدُ اسمٌ للمملوكِ الذَّكَرِ بأصلِ وَضعِه، والأمَةُ اسمٌ لمؤنَّثِه بغَيرِ لفظِهِ، ومِن ثمَّ قال إسحاق: إنَّ هذا الحُكمَ لا يتناوَلُ الأنثى، وخالفَه الجمهورُ، فلم يفرِّقوا في الحُكمِ بينَ الذَّكرِ والأنثى، إمَّا لأنَّ لفظَ العبدِ يُرادُ به الجِنسُ، كقولهِ تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93] فإنَّه يتناولُ الذَّكرَ والأنثى قَطْعاً، وإمَّا على طريقِ الإلحاقِ لعدَمِ الفارقِ، / انتهى.