الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب إذا قال رجل لعبده: هو لله، ونوى العتق والإشهاد في العتق

          ░7▒ (بابٌ إِذَا قَالَ) أي: رجلٌ؛ لِما في رواية الأَصيليِّ وكَرِيمةَ: <إذا قال رجلٌ> كذا في ((الفتح)) و((العمدة)) وقال القسطلانيُّ: ولغيرِ أبوَي ذرٍّ والوقت: <إذا قال> (رَجُلٌ لِعَبْدِهِ هُوَ) أي: العبدُ (لِلَّهِ، وَنَوَى) أي: الرَّجلُ بقوله لعبدِه: هو لله (الْعِتْقَ) جوابُ ((إذا)) محذوفٌ يُقدَّرُ بنحوِ: صحَّ العتقُ، أو عَتَقَ العبدُ.
          وجملةُ: ((ونوى العتقَ)) حاليةٌ مقرونةٌ بالواوِ على تقدير: قَدْ عند البَصريِّين، ومفهومُه أنه إذا لم ينوِ به العتقَ لا يَعتقُ، كأنْ أرادَ أنَّه مِلكٌ لله، أو أطلَقَ، فهو كِنايةٌ في العتْقِ يَحتاجُ إلى نيَّةٍ (وَالإِشْهَادِ فِي الْعِتْقِ) بجرِّ ((الإشهاد)) بكسر الهمزة؛ أي: وبابِ الإشهادِ، وحينئذٍ فينبغِي حذفُ التنوين من: ((باب)) ليصِحَّ عطفُ المضافِ عليه، كذا في ((اللَّامع الصبيح)) تَبعاً ((للتنقيح))، وتَبعَهما في ((المصابيح)) لكنَّه قال: فيصِحُّ العطفُ على المُضَافِ إليه، وفي كلٍّ منهما شيءٌ، فتأمَّلْ، كقولِ ((الفتح)): وهو مُشكِلٌ؛ لأنه إنْ قُدِّرَ منوَّناً احتاجَ إلى خبرٍ، وإلا لَزِمَ حذفُ التَّنوينِ من الأوَّل ليصِحَّ العطفُ عليه، وهو بعيدٌ، انتهى.
          وكذا قولُ ((العمدة)): ومَنْ جرَّ ((الإشهاد)) فقد جرَّ ما لا يُطيقُ حملَه، انتهى.
          وقال شيخُ الإسلام في ((المنحة)) بجرِّ ((الإشهاد)) عطفاً على جملةِ الشَّرط، وبالرَّفعِ عطفاً عليها أيضاً، بتقدير: بابٌ يُذكَرُ فيه الجملةُ المذكورةُ والإشهادُ / بالعتقِ، فعلى الأول: الجُملةُ في محلِّ جرٍّ، و((باب)) غيرُ مُنوَّنٍ، وعلى الثاني: الجملةُ في محلِّ رفعٍ، و((باب)) منوَّنٌ، انتهى.
          وفي كلٍّ من وجهَيهِ شيءٌ، فإنَّ جملةَ الشَّرط هنا ليسَتْ في محلِّ جرٍّ، بل المجرورُ محَلُّ ((إذا)) وحدَها، ولا في محلِّ رفعٍ أصلاً إلا بجعلِها نائبَ فاعلٍ يُذكَرُ محذُوفاً، ولا دليلَ على المحذوفِ، ولعلَّه أخذَه من قولِ العينيِّ، و((الإشهادُ)) بالرفعِ فيه حذفٌ تقديره: وبابٌ يُذكَرُ فيه الإشهادُ في العتقِ، فيكونُ ارتفاعُه بالفعلِ المقدَّرِ، وتكونُ الجملةُ المقدَّرةُ معطوفةً على: ((باب إذا قال)) و((باب)) الظاهرُ والمقدَّرُ منوَّنٌ، وهذا هو الوجه، انتهى. وفيه ما لا يخفى على المتأمِّل.
          وأقول: الجرُّ عزاه القسطلانيُّ للفرعِ وأصلِه، ورأيتُه في نُسَخٍ كثيرةٍ مُعتمَدةٍ، ووجهُه على عدمِ تنوينِ ((باب)) أنَّه عُطِفَ على الشرطِ وحدَه لا على الجملةِ، وأمَّا على تنوينِهِ فيُقدَّرُ: بابُ قبلَه غيرُ منوَّنٍ معطوفٌ على ((بابٍ)) المنون، ثم حُذِفَ وبقيَ المضافُ إليه على حالهِ، وهو وإنْ كان في كلامِهِم قليلاً لكنَّه جائزٌ، وحينئذٍ فلا يَرِدُ قولُ العينيِّ: ومن جرَّ ((الإشهاد))...إلخ، وإنْ نقلَه القسطلانيُّ عنه ساكتاً عليه، وأمَّا رفعُ ((والإشهاد)) وهو الذي استظهَرَه في ((الفتح)).
          وقال في ((العمدة)) عنه: وهو الوجهُ، فهو بالعطفِ على ((باب)) كما في ((الفتح))، لا على أنَّه نائبُ فاعلٍ يُذكَرُ، ولا على أنَّه معطوفٌ على الجملةِ الشَّرطيةِ، فتأمَّلْ ما قلناه وما قالوه يظهَرْ لك الفرقُ بين الكلامَين.