الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب عتق المشرك

          ░12▒ (باب عِتْقِ الْمُشْرِكِ) من إضافةِ المصدرِ إلى فاعله، أو إلى مفعولِه، ويؤيِّدُ الأوَّلَ قصَّةُ حَكيمِ بنِ حِزامٍ المذكورةُ في البابِ، وقد يؤيِّدُ الثاني أنَّ الذين أعتقَهم حَكيمٌ كانوا مُشرِكين، وبهذا يندفِعُ اعتِراضُ العَينيِّ على ((الفتح)) بأنَّه لا تقعُ المطابَقةُ على هذا الوجهِ، وقال في ((الفتح)): وعلى الثَّاني جرى ابنُ بطَّالٍ فقال: لا خلافَ في جَوازِ عتقِ المشرِكِ تطوُّعاً، وإنما اختلفوا في عتقِه عنِ الكفَّارة؛ أي: فأجازَه قومٌ منهمُ الحنَفيةُ، ومنعه آخرونَ منهمُ الشَّافعيُّ ومالكٌ وأحمدُ، وحديثُ البابِ أخرجَه المصنِّفُ أيضاً في الجِهادِ والمغازي، قال: وحديثُ الباب في قصَّةِ حكيمِ بنِ حزامٍ حُجَّةٌ في الأول؛ لأنَّ حَكيماً لمَّا أعتَقَ وهو كافرٌ لم يحصُلْ له الأجرُ إلا بإسلامِهِ، فمَنْ فعلَ ذلك وهو مسلمٌ فهو أَولى، انتهى.
          واعترضَه العينيُّ: بأنَّ قولَ ابنِ بطَّال: لا خلاف... إلخ، لا يستلزِمُ تعيينَ كونِ الإضافةِ للمفعولِ، ولو كان قصدَ هذا يُرَدُّ لئلَّا تنخرِمَ المطابَقة، انتهى.
          وأقول: قد علمتَ أنَّ المطابقةَ تحصُلُ على هذا الوجهِ كما قرَّرناه آنِفاً، وقوله: لا يستلزِمُ تعيينَ... إلخ، فيه أنَّه لم يدَّعِ التَّعيينَ، ولا شيءَ في كلامِهِ يقتضِي ذلك، فتدبر.
          وقال ابنُ المنيِّر: الذي يظهَرُ أنَّ مُرادَ البخاريِّ أنَّ المشرِكَ إذا أعتَقَ مُسلِماً نفذَ عتقُه، وكذا إذا أعتق كافراً فأسلَمَ العبدُ، قال: وأما قولُه: / ((أسلمتَ على ما سلَفَ لك من خيرٍ)) فليس المرادُ صحَّةَ التقرُّبِ منه في حالِ كُفرِه، وإنما تأويلُه أنَّ الكافرَ إذا فعل ذلك انتفَعَ به إذا أسلمَ لِما حصَلَ له من التدرُّبِ على فعلِ الخير، فلم يحتَجْ إلى مجاهدةٍ جديدةٍ، فيُثابُ بفضلِ الله عمَّا تقدَّمَ بواسطةِ انتفاعِهِ بذلك بعد إسلامِه، انتهى.
          وتقدَّمَ فيه الكلامُ مبسوطاً في كتاب الزكاة.