الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من استأجر أجيرًا فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد

          ░12▒ (باب مَنِ اسْتَأْجَرَ) أي: بابُ بيان حُكمِ مَن استأجَرَ (أَجِيراً فَتَرَكَ) أي: الأجيرُ، وثبَتَ: <الأجيرُ> للكُشميهنيِّ (أَجْرَهُ) أي: أُجرتَه (فَعَمِلَ فِيهِ) أي: في الأجرِ، وفي بعض الأصولِ: <به> (الْمُسْتَأْجِرُ) أي: بنحوِ تجارةٍ ومُزارعةٍ (فَزَادَ) أي: فربحَ المستأجرُ في الأجرِ (أَوْ مَنْ) بـ((أو)) وفي بعضِ الأصُول: <ومن> (عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَاسْتَفْضَلَ) وعلى الواو؛ هو من عطفِ العامِّ على الخاصِّ، وعلى: ((أو)) فيحتملُ التقسيمَ، و((استفضَلَ)) بسكون الفاء وفتح الضاد المعجمة؛ بمعنى: أفضَلَ، فليست السينُ للطلب.
          قال في ((الفتح)): ولم يذكُرِ المصنِّفُ الجوابَ إشارةً إلى الاحتمالِ كعادتِه؛ أي: والتقديرُ: هل يُباحُ للمستأجِرِ الرِّبحُ أم لا؟ وقال ابنُ الملقِّن كابنِ بطَّالٍ: قد أسلَفْنا الخلافَ في باب منِ اتَّجرَ في مالِ غيرِه، فقالت طائفةٌ: يطيبُ للمتَّجرِ الرِّبحُ إذا ردَّ رأس المالِ إلى صاحبه، سواءٌ كان غاصباً للمالِ أو وديعةً، وهو قولُ عطاءٍ وربيعة ومالكٍ واللَّيث والثوريِّ والأوزاعيِّ وأبي يوسفَ، لكن استحبَّ مالكٌ والثوريُّ والأوزاعيُّ تنزُّهَه عنه بأن يتصدَّقَ به.
          وقالت طائفةٌ: الرِّبحُ لربِّ المال، وهو ضامنٌ لِما تعدَّى فيه، وهو قولُ ابنِ عمرَ وأبي قِلابةَ، وبه قال أحمدُ وإسحاقُ، وفصَّلَ الشافعيُّ فقال: إن اشترى السِّلعةَ بعَينِ المال، فالمالُ والرِّبحُ لربِّ المال، وإن اشتراها في ذمَّتِه، ثم أعطى من المالِ المغصوبِ أو الوديعةِ، فالرِّبحُ له، وهو ضامنٌ لما هلَكَ من مالِ غيره.
          وقالت طائفةٌ: يردُّ رأسَ المال، ويتصدَّقُ بالرِّبح كلِّه، ولا يَطيبُ له منه شيءٌ، وهو قولُ أبي حنيفة وزُفرَ ومحمَّد بن الحسنِ.
          وقد رُوي عن عمرَ ☺ / ما يدلُّ على أنَّ الرِّبحَ بالضمان، فروى مالكٌ في ((الموطَّأ)) أنَّ أبا موسى أسلَفَ عبدَ الله وعُبيدَ الله ابنَي عمرَ بن الخطَّابِ من بيتِ المال، فاشترَيا به متاعاً، وحمَلاه إلى المدينة، فربِحا فيه، فقال عمرُ: رُدَّا المالَ ورِبحَه، فقال عُبيدُ الله: ما ينبغي لك هذا، لو هلَكَ أو نقَصَ ضمِنَّاه، فقال رجلٌ: لو جعلتَه قراضاً يا أميرَ المؤمنين، قال: نعم، فأخذَ منهما نصفَ الرِّبحِ، فلم يُنكِرْ عمرُ قولَ ابنِه: لو هلك المالُ أو نقَصَ ضمِنَّاه، فلذلك طابَ له ربحُه، ولم يُنكِرْه أحدٌ من الصحابة بحَضرَتِه، انتهى ملخَّصاً، فتأمَّله.