الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الجهر بالقراءة في الكسوف

          ░19▒ (بَابُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ) بالكاف؛ أي: في صلاة الكسوف للشَّمس، ومثله الخسوف للقمر، أو مراده بالكسوفِ: ما يشملهما، وعلى الأخيرِ حملهُ في ((الفتح))، وصنيع المصنِّف يفيدُ أنَّه يجهر في صلاتيهما، وفيه خلافٌ.
          قال النَّووي في ((شرح مسلم)): مذهبُنا ومذهبُ مالكٍ وأبي حنيفة واللَّيث بن سعد، وجمهورُ الفقهاء: أنَّه يسرُّ في كسوف الشَّمس، ويجهرُ في خسوف القمر، قال: وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق: يجهرُ فيهما، وحكى الرَّافعي عن الصَّيدلاني: أنَّ مثلهُ يروى عن أبي حنيفة، وقال محمَّد بن جريرٍ الطبريُّ: الجهرُ والإسرار سواءٌ.
          وقال ابن بطَّال: اختلفوا في الجهرِ فيهما، فقال أحمد: يجهرُ بها، وقال الأئمَّة الثَّلاثة بالإسرارِ محتجِّينَ بما تقدَّم من حديث ابن عبَّاس: أنَّه صلعم قرأ نحواً / من سورة البقرة، ولو جهرَ فيها لم يقلْ: نحواً منها، وما ساقه البخاريُّ من رواية الأوزاعيِّ عن ابن شهابٍ، ولم يذكرْ عنه الجهر يردُّ رواية ابن نمر عنه بالجهر، انتهى.
          لكن قال الخطابيُّ: قول المثبت أولى من قول النَّافي، وقد أثبتت عائشةُ الجهر، ومن الجائز أنَّ ابن عبَّاس لم يسمعْ، إمَّا لأنَّه كان في آخر الصُّفوف، أو لعائقٍ عاقهُ عن ذلك، وقال أيضاً: لكن ليس في الخبر الذي روته عائشة ذكر الشَّمس، انتهى.
          واعترضَ قوله بأنَّ ابن عبَّاسٍ لم يسمع... إلخ: بأن الشافعيَّ ذكر تعليقاً عن ابن عبَّاس أنه صلى بجنب النبيِّ في الكسوف، فلم يسمعْ منه حرفاً، وأجيب: بأنَّ الإسماعيليَّ روى حديث الباب من وجهٍ آخر عن الوليد بلفظ: كسفت الشمس في عهد رسول الله، فذكر الحديث، وبأنَّ الترمذيَّ روى عن عائشة: ((أنَّ النبيَّ صلَّى صلاة الكسوف، وجهرَ بالقراءة فيها))، قال: وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
          قال العينيُّ: واحتجَّ بهذا الحديث مالكٌ وأحمد، وإسحاق في أنَّ صلاة الكسوف يجهرُ بالقراءة فيها، حكى الترمذيُّ ذلك عنهم، ثمَّ حكى عن الشافعيِّ مثل ذلك، انتهى.