الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد من الناس

          1041- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ): بفتح المهملة وتشديد الموحَّدة؛ أي: العبديُّ الكوفيُّ، مات سنة أربعٍ وعشرين ومائتين، وقال في ((الفتح)): من شيوخ البخاريِّ ومسلمٍ، ولهم شيخٌ آخر يُقال له: شهاب بن عبَّادٍ العبديُّ، لكنَّه بصريٌّ، وهو أقدم من الكوفيِّ في طبقة شيوخ شيوخه، أخرج له البخاريُّ وحده في ((الأدب المفرد)).
          قال: (حَدَّثَنَا): ولأبي ذرٍّ في نسخةٍ: <أخبرنا> (إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ): مصغَّراً؛_أي: الرؤسيُّ_ بضم الراء ثم بهمزةٍ خفيفة وسينٍ مهملة، قال في ((الفتح)): وفي طبقة إبراهيم بن حميدِ بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ الزهريِّ ولم يخرِّجوا له. انتهى.
          (عَنْ إِسْمَاعِيلَ): أي: ابن أبي خالدٍ (عَنْ قَيْسٍ): أي: ابن أبي حازمٍ، وهذا الإسناد كلُّه كوفيُّون كما في ((الفتح)) (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ): هو عقبة _بالقاف_ ابن عمرٍو الأنصاريُّ (يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ): بكافٍ بعد نونٍ ساكنة (لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا): أي: انكسافَي الشَّمس والقمر، قاله شيخ الإسلام، أو الشَّمس والقمر من حيث انكسافهما (آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ): أي: الدَّالَّة / على عظمته ووحدانيَّته، أو على تخويف عباده من بأسه وسطوته (فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا): بالتَّثنية للكشميهنيِّ؛ أي: كسوفهما؛ أي: كلُّ واحدٍ على انفراده لاستحالة وقوعهما معاً في وقتٍ واحدٍ عادةً، ولغير الكشميهنيِّ: <فإذا رأيتموها> بالإفراد؛ أي: الآية لدلالة ((آيتان)) عليها، أو الكسفة لدلالة ((لا ينكسفان)) عليها.
          قال الدَّمامينيُّ: وفي بعض النُّسخ: <فإذا رأيتموه> أي: الكسوف. انتهى.
          وقوله: (فَقُومُوا فَصَلُّوا): جواب ((إذا))، وفيه _كسابقه_ دلالةٌ على مشروعيَّة الصَّلاة لخسوف القمر أيضاً، وسيأتي في بابٍ مفردٍ، وفي رواية ابن المنذر: ((حتَّى ينجلي كسوفُ أيهما انكسفَ)) وهي أصرحُ في العموم، واستدلَّ بقوله: ((فقومُوا فصلُّوا)) على أنَّه لا وقت لصلاة الكسوف معيَّنٌ؛ لأنَّها عُلِّقت برؤيته، وهي ممكنةٌ في كلِّ وقتٍ من النَّهار، وبهذا قال الشافعيُّ وكثيرون، فيبادر لفعلها قبل الانجلاء حتَّى في وقت الكراهة عند الشَّافعيَّة؛ لأنَّ سببها وهو الكسوف متقدِّمٌ، وثبت أنَّ النبيَّ بادر إليها باتِّفاقٍ، واستثنى الحنفيَّة أوقات الكراهة فلا تُفعَل فيها، وهو المشهور من مذهب أحمد، وعن المالكيَّة: من وقت حلِّ النافلة إلى الزَّوال، وفي روايةٍ: إلى العصر، وقال في ((مختصر خليلٍ)): ووقتها كالعيد، ولا تكرَّر. انتهى.
          وكذا لا تُعاد إن لم ينجل عند أحمد بل يدعو، ورُجِّح مذهب الشَّافعي وكثيرين: بأنَّ المقصود فعل هذه الصَّلاة قبل الانجلاء لاتِّفاقهم على أنَّها لا تُقضَى بعد الانجلاء، فلو انحصرت في وقتٍ لأمكن الانجلاء قبله، فيفوت المقصود، قال في ((الفتح)): ولم أقف في شيءٍ مِن الطُّرق مع كثرتها على أنَّه صلاها ضحًى، لكنَّ ذلك اتِّفاقيٌّ، فلا يدلُّ على منع ما عداها. انتهى ملخَّصاً.
          وحديث الباب أخرجه المصنِّف في كتاب العلم في باب مَن أجاب الفتيا، وكذا في بدء الخلق، ومسلمٌ والنَّسائيُّ وابن ماجه في الخسوف.