الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الصلاة في كسوف القمر

          ░17▒ (بَابُ الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ) بالكاف، لا خلافَ في طلب الصَّلاة لخسوف القمر، وإنَّما الخلاف في كونها تستحبُّ فيها الجماعة أو لا، ومذهبُ الجمهور استحبابها فيهما.
          قال ابن بطَّال: اختلفوا في خسوفِ القمر، هل يجمعُ له الصَّلاة؟ فقال الشافعيُّ وأحمد: يجمع فيه كما يجمع في كسوفِ الشمس سواء، محتجِّين بقوله: ((فإذا كانَ كذلك فصَلُّوا))، قالا: وقد عرفنا كيف الصَّلاة في أحدهما فكان ذلك دليلاً على الصَّلاة عند الأخرى، وإلى هذا المعنى أشار البخاريُّ في ترجمته، ولذلك ذكر / كُسُوف الشمس، وترجمَ عليه: ((الصَّلاة في كسوف القمر)) استغناءً بذكر أحدهما عن الآخر، وقال مالكٌ والكوفيُّون: لا يجمع في القمر؛ لكن يُصلَّى فرادى ركعتين كسائر النَّوافل، قالوا: كسوف القمر يقعُ أبداً، ولا يخلو عنه عام، وكسوف الشَّمس نادرٌ، ومحالٌ أن يكون كسوف القَمرِ مألوفاً، والنبيُّ صلعم لا يجمع له مدَّة حياته، ولم يبلغنا عنه أنَّه جمع له، ولا عن أحدٍ ممن بعده، ويمكن أن يكون تركه الجمع فيه رحمةً للمؤمنين لئلا تخلو بيوتهم بالليل يتخطَّفهم الناس ويسرقونهم، وأيضاً: يشقُّ الاجتماع في الليل سيَّما إذا كانوا نياماً فيثقل عليهم الخروج، انتهى.
          وأقول: ما ذكره عن مالكٍ هو المشهورُ.
          قال في ((مختصر ابن الحاجب)): وصلاة الخسوف ركعتان كالنَّوافل، ولا يجمع على المشهور، انتهى.
          وقال ابن القيِّم: لم ينقَلْ أنَّه عليه الصَّلاة والسلام صلَّى في كسوف القمر جماعةً؛ لكن حكى ابن حبَّان في سيرته أنَّ القمر خسف في السَّنة الخامسة فصلَّى النبيُّ بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أوَّل صلاة كسوفٍ في الإسلام، وجزم به مغلطاي في ((سيرته)) وتبعهُ العراقيُّ في نظمها.