الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب خطبة الإمام في الكسوف

          ░4▒ (بَابُ خُطْبَةِ الإِمَامِ) أي: المصلِّي إماماً (فِي الْكُسُوفِ) ويحتمل أن يراد بالإمام: السُّلطان، ويلحق به نائبهُ (وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ) بالمد، أختُ عائشة لأبيها، بنتا أبي بكرٍ الصِّدِّيق ♥ (خَطَبَ النَّبِيُّ صلعم) أي: في الكسوف، وسبق حديثُ عائشة موصولاً في باب الصَّدقة في الكسوف، وسيأتي حديث أسماءَ موصولاً بعد أحدَ عشر باباً.
          قال ابن بطَّال _كما في الكرماني_ اختلفَ العلماء في الكسُوف، هل فيه خطبةٌ أم لا؟ فقال الشافعيُّ: يخطبُ / بعد الصَّلاة كالعيد والاستسقاء، وقال مالكٌ والكوفيُّون: لا خُطبَة فيه، انتهى.
          وكذلك لا خطبةَ فيه عند الحنابلةِ كما في ((المنتهى))، وعن أحمد رواية: أنَّه يخطبُ لها.
          وقال في ((فتح الباري)): اختُلِف في الخطبةِ فيه، فاستحبَّها الشافعيُّ وإسحاق وأكثرُ أصحاب الحديث، وقال ابن قدامة: لم يبلُغْنا عن أحمد ذلك، وقال صاحبُ ((الهداية)) من الحنفيَّة: ليس في الكسوف خطبةٌ؛ لأنَّه لم يُنقلْ، وتُعُقِّب: بأنَّ الأحاديث ثبتت فيه وهي كثيرةٌ، والمشهورُ عن المالكيَّة: أنَّه لا خُطبةَ لها، مع أنَّ مالكاً روى الحديث، وفيه ذكرُ الخطبة، وأجاب بعضهم: بأنَّه عليه السَّلام لم يقصد بها الخُطبةَ بخصوصها، وإنَّما أراد أن يبيِّن لهم الردَّ على أنَّ الكسوف لموت بعض النَّاس، وتُعُقِّب: بما في الأحاديث الصَّحيحة من التَّصريحِ بالخطبة مع حكاية الحمد والثَّناء والموعظة وغير ذلك، فلم يقتصرْ على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل الاتِّباع، والخصائص لا تثبتُ إلَّا بدليلٍ.
          واستضعف ابن دقيق العيد التَّأويل المذكور، وقال: لا تنحصرُ مقاصدُ الخطبة في شيءٍ معيَّنٍ بعد الإتيان بالمطلوب منها من الحمدِ والموعظة، وما ذُكِر من سبب الكسوف وغيره من مقاصد خُطبة الكسوف، فينبغي التَّأسِّي به عليه الصَّلاة والسلام فيذكرُ الإمام ذلك في خطبة الكسوف، نعم نازع ابن قدامةَ في كون خطبة الكسوف كخُطبَتي الجُمُعة، إذ ليس في الأحاديثِ ما يقتضِي ذلك.
          وإلى ذلك نحا ابن المنيِّر وردَّ على من أنكر أصل الخُطبة لثبوته صريحاً في الأحاديث، وعلى من احتجَّ لتركها بأنَّه لم يقلْ في الحديث: صعدَ المنبر: بأنَّ المنبر ليس شرطاً فيها مع أنَّه لا يلزمُ من عدم ذكره أنَّه لم يقعْ.