الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته

          1043- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): أي: المسنديُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ): بألفٍ بعد الهاء فشين معجمة مكسورة (ابْنُ الْقَاسِمِ): هو: أبو النَّضر الليثيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا): وفي نسخةٍ: <أخبرنا> (شَيْبَانُ): بفتح المعجمة (أَبُو مُعَاوِيَةَ): أي: النَّحويُّ (عَنْ زِيَادِ): بكسر الزَّاي وتخفيف التَّحتيَّة (ابْنِ عِلَاقَةَ): بكسر العين المهملة وتخفيف اللَّام وبالقاف (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ): ☺ (قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ): وفي نسخةٍ: <النَّبي> (صلعم يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ): أي: ابنه مِن مارية القبطيَّة، بالمدينة في السَّنة العاشرة من الهجرة، كما عليه جمهور أهل السِّير في ربيع الأوَّل، أو في رمضان، أو في ذي الحجَّة عاشر الشَّهر، وعليه الأكثر، أو في رابعه، أو رابع عشره، ولا يصحُّ شيءٌ منها على قول ذي الحجَّة؛ لأنَّه قد ثبت أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام حضر وفاته من غير خلافٍ، ولا ريب أنَّه صلعم كان إذ ذاك بمكَّة في حجَّة الوداع، لكن قيل: إنَّه كان في سنة تسعٍ، فإن ثبت يصحُّ ذلك.
          وجزم النوويُّ بأنَّها كانت سنة الحديبية، وبأنَّه كان حينئذٍ بالحديبية، وأُجيب: بأنَّه رجع منها في آخر ذي القعدة، فلعلَّ الوفاة كانت أواخر الشَّهر؛ يعني: فيُوافق ما قاله أهل الهيئة: إنَّ الكسوف للشَّمس إنَّما يكون في الثَّامن والعشرين أو التَّاسع والعشرين من الشهر العربيِّ، وعلى الأشهر مِن أنَّ وفاته في العاشر يكون فيه ردٌّ على أهل الهيئة في زعمهم أنَّ الخسوف لا يقعُ في الأوقات المذكورة.
          وقد فرض الشافعيُّ وقوع العيد والكسوف معاً، واعترضَه بعض مَن اعتمد على قول أهل الهيئة، وانتدب بعض أصحابه ☺ لدفع قول المعترض عليه فأصابوا.
          وقد ولد إبراهيم في ذي الحجَّة سنة ثمانٍ، وتوفِّيَ وعمره ثمانية عشر شهراً على الأشهر، وقيل: سبعة عشر شهراً وثمانية أيامٍ، وقيل: ستَّة عشر شهراً، وقيل: سنةً وعشرة أشهرٍ وستَّة أيامٍ، ودُفن بالبقيع، حشرنا الله في زمرة والده الشَّفيع.
          (فَقَالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ): بفتحاتٍ، وقد تُضمُّ / الكاف وتكسر السِّين (لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلعم إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ): بنون ساكنةٍ بعد التحتيَّة المفتوحة (لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ): تقدَّم شرحه (فَإِذَا رَأَيْتُمْ): أي: ذلك، كما وُجد في بعض النُّسخ، وهي روايةُ الإسماعيليِّ، أو يقدَّر: فإذا رأيتموه؛ أي: الكسوف، أو رأيتموها؛ أي: الكسفة أو الآية، كما تقدَّم وسيأتي، فالمفعول محذوفٌ (فَصَلُّوا): بضمِّ اللَّام المشدَّدة (وَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى): أي: بالتَّضرُّع إليه وسؤاله أن يدفع الكسوف وغيره من البلاء.
          والحديث أخرجه المصنِّف في الأدب أيضاً، ومسلمٌ في الصَّلاة.
          خاتمةٌ: قال في ((الفتح)): ابتدأ البخاريُّ أبواب الكسوف بالأحاديث المطلقة في الصَّلاة بغير تقييدٍ بصفةٍ إشارةً منه إلى أنَّ ذلك يُعطي أصل الامتثال، وإن كان إيقاعها على الصِّفة المخصوصة عنده أفضل. انتهى.