الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف

          ░10▒ (بَابُ صَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْكُسُوفِ) أي: يستحبُّ لهنَّ ذلك؛ لكن ينفردن في الصَّفِّ الأخير.
          قال في ((الفتح)): أشار بهذه التَّرجمةِ إلى ردِّ قول من منع ذلك وقال: يصلِّين فُرادَى، وهو منقولٌ عن الثوريِّ، وبعض الكوفيِّين، وفي ((المدونة)): تصلِّي المرأة في بيتها، وتخرجُ المتجالَّة، وعن الشافعيِّ: يخرجُ الجميع إلا بارعة الجمال، وقال القرطبيُّ: روي عن مالكٍ: أنَّ الكسوفَ إنما يخاطبُ به من يخاطب بالجُمُعة، والمشهورُ عنه: خلاف ذلك، وهو إلحاق المُصلَّى في حقِّهنَّ بحكم المسجد، انتهى.
          واعترضهُ العينيُّ فقال: إن أرادَ بالكوفيين أبا حنيفةَ وأصحابه فليس كذلك؛ لأنَّ أبا حنيفة يرى بخروج العجائِزِ فيها، غير أنهنَّ يصففنَ وراء صُفوف الرِّجال، وعند أبي يوسُف ومحمَّدٍ: يخرُجنَ في جميع الصَّلوات لعموم المُصِيبة، فلا يختصُّ ذلك بالرِّجال، وروى القرطبيُّ عن مالك: أن الكسُوف يخاطب به من يخاطب بالجُمُعة.
          وفي ((التوضيح)): ورخَّص مالكٌ والكوفيُّون للعجائز، وكرهوا للشابَّة، وقال الشافعيُّ: لا أكرهُ لمن لا هيئة له بارعة من النِّساء ولا للصِّبية شهود الكسوف مع الإمام، بل أحبُّ لهن ولذوات الهيئة أن تصلِّيها في بيتها، ورأى إسحاقُ / أن يخرُجنَ شباباً كنَّ أو عجائز، ولو كنَّ حُيَّضاً، وتعتزل الحُيَّض المسجد، ويقربن منه، وقال الزَّين بن المنيِّر: استدلَّ به ابن بطَّال على جواز خروج النِّساء إلى المسجد لصلاة الكسوف، انتهى.
          ونظرَ فيه في ((الفتح)): بأنَّ أسماء إنَّما صلَّت في حجرة عائشة؛ لكن يمكنه أن يستدلَّ بما ورد في بعض طرقه: أنَّ نساء غير أسماء كنَّ بعيداتٍ عنها، فعلى هذا: كنَّ في أخرياتِ المسجد، كما جرت عادتهنَّ بذلك في سائر الصَّلواتِ اليوم.