الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته

          1042- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا أَصْبَغُ): بفتح الهمزة وسكون الصَّاد المهملة وبفتح الموحَّدة وبالغين المعجمة، هو أبو عبد الله بن الفرج المصريُّ، بالميم كلاحقيه (قَالَ: أَخْبَرَنِي): بالإفراد (ابْنُ وَهْبٍ): بفتح الواو وسكون الهاء؛ أي: عبد الله (قَالَ: أَخْبَرَنِي): بالإفراد أيضاً (عَمْرٌو): بفتح العين؛ أي: ابن الحارث (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ): بتشديد الدَّال؛ أي: حدَّث عبد الرحمن عَمْراً (عَنْ أَبِيهِ): أي: القاسم بن محمَّد بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق (عَنِ ابْنِ عُمَرَ): أي: ابن الخطَّاب (☻): ومن لطائف هذا الإسناد أنَّ نصفه الأوَّل مصريُّون، ونصفه الثَّاني مدنيُّون (أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: أَنَّ): بفتح الهمزة، ويحتمل كسرها لكون ((يخبر)) بمعنى: يقول، فافهم.
          (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ): بفتح التحتيَّة وسكون المعجمة وكسر السِّين المهملة وفتحها، كما في ((اليونينيَّة))، على أنَّه لازمٌ، وجوَّزوا فيه ضمَّ أوله على البناء للمفعول لأنَّه قد يتعدَّى، لكن نقل في ((التَّنقيح)) عن ابن الصَّلاح أنَّهم منعوا أن يقال بالضمِّ. انتهى.
          وأقولُ: لعلَّ المنع بحسب الرِّواية / لا بحسب اللُّغة، فإنَّه فيها جائزٌ.
          قال في ((الصِّحاح)): خسف المكان يخسف خسوفاً: ذهبَ في الأرض، وخسفَ الله به الأرض خسفاً؛ أي: غاب فيها، ومنه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:81] وخسف هو في الأرض، وخسف به، وقرئ: {لَخُسِفَ بِنَا} [القصص:82]: على ما لم يُسمَّ فاعله. انتهى، فتدبَّر.
          وقوله: (لِمَوْتِ أَحَدٍ): أي: من النَّاس، وثبت في بعض النُّسخ، متعلِّقٌ بـ((يخسفان)) للتَّعليل (وَلَا لِحَيَاتِهِ): تتميمٌ للتَّقسيم، وإلَّا فلم يدَّعِ أحدٌ أنَّ الكسوفَ لحياة أحدٍ، قاله شيخ الإسلام وتبعه القسطلانيُّ، وزادا: أو ذُكِر لدفع توهُّم مَن يقول: لا يلزم من نفي كونه سبباً للفقدِ أن لا يكون سبباً للإيجاد، فعمَّم الشَّارع النَّفي لدفع التَّوهُّم، واقتصر كثيرون كـ((الفتح)) على الجواب الثاني.
          (وَلَكِنَّهُمَا): أي: خسوفهما، أو الشَّمس والقمر (آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ): قال الكرمانيُّ: أي: علامتان لقرب القيامة، أو لعذاب الله، أو لكونهما مسخَّرتين لقدرة الله تعالى وتحت حكمه.
          (فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا): بالتَّثنية للأكثر، وللكشميهنيِّ والأصيليِّ: <فإذا رأيتموها> بالإفراد، وتقدَّم توجيه الأمرين غير مرَّةٍ (فَصَلُّوا): تقدَّم بيانها، وأخرجه المؤلِّف أيضاً في بدء الخلق، ومسلمٌ في الصَّلاة وكذا النَّسائيُّ.