نجاح القاري لصحيح البخاري

باب مناقب علي بن أبي طالب

          ░9▒ (مَنَاقِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبِي الْحَسَنِ الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ ☺) هو عليُّ بن أبي طالب بن عبد المطَّلب المكنى بأبي الحسن كنَّاه بذلك أهله، وكنَّاه رسول الله صلعم بأبي ترابٍ، لمَّا رآه في المسجد نائماً ووجد رداءه قد سقطَ عن ظهرهِ وخلص إليه التراب، كما رواه البخاريُّ من حديث سهل بن سعد ☺ في «أبواب المساجد» [خ¦441]، وهنا أيضاً يأتي عن قريب [خ¦3073].
          وهو ابنُ عمِّ / رسول الله صلعم شقيق أبيه، ولازمه من صغرهِ فلم يُفارقه إلى أن مات، وأمُّه فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت ابنة عمِّ أبيه، وهي أوَّل هاشمية ولدت هاشمياً، وقد أسلمتْ وصحبتْ وماتت في زمن النَّبي صلعم وهي من كبار الصَّحابيات.
          وروى يعقوبُ بن سفيان بإسناد صحيحٍ عن عروة قال: أسلم عليٌّ ☺ وهو ابنُ ثمان سنين. وقال ابنُ إسحاق: عشر سنين، وقيل غير ذلك.
          (وَقَالَ عُمَرُ) ☺: (تُوُفِّي رَسُولُ اللَّهِ صلعم وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ) تقدَّم ذلك في الحديث الذي قبله موصولاً [خ¦3700]، وكانت بيعة علي ☺ بالخلافة عقب قتل عثمان ☺ في أواخر ذي الحجَّة سنة خمس وثلاثين فبايعه المهاجرون والأنصار وكلُّ من حضرَ، وكُتِب ببيعتهِ إلى الآفاق فأذعنوا كلُّهم إلَّا معاوية ☺ في أهل الشَّام فكان بينهم ما كان.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ) قوله: ((أنت)) مبتدأ و((مني)) خبره ومتعلَّق الخبر خاصٌّ، وكلمة «من» هذه تسمَّى من الاتصالية، ومعناه: أنت متَّصل بي، وليس المراد اتَّصاله به من جهة النُّبوة، بل من جهةِ العلم والقرب والنَّسب، وكان أبو النَّبي صلعم شقيق أبي علي ☺ كما تقدَّم، وكذلك الكلام في قوله: ((وأنا منك)).
          وهذا طرفٌ من حديث البراءِ بن عازب ☺ في قصَّة بنت حمزة، وقد وصله المؤلِّف في «الصُّلح» [خ¦2699] وأخرجه مطولاً في باب «عُمرة القضاء» [خ¦4251] على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. وفيه: قال لعلي: ((أنت منِّي وأنا منك)). وقال لجعفر: ((أشبهتَ خلقِي وخُلقي)). وقال لزيد: ((أنت أخونَا ومولانا)). وفي حديث آخر: ((أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى)) [خ¦3706]، ومعناه: أنت متَّصل بي ونازلٌّ منِّي منزلة هارون. وفيه تشبيه ووجه التَّشبيه، وبيَّنه بقوله: «إلَّا أنَّه لا نبيَّ بعدِي» أن اتِّصاله ليس من جهة النُّبوة فبقيَ الاتصال من جهة الخلافة لأنَّها تلي النُّبوة.
          ثم إنَّها إمَّا أن تكون في حياته، أو بعد مماته؛ لأنَّ هارون ◙ مات قبلَ موسى ◙، / فتبين أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك؛ لأنَّ هذا القول من النَّبي صلعم كان مخرجه إلى غزوة تبوك وقد خلف علياً ☺ على أهلهِ وأمره بالإقامة فيهم.
          وهذا الحديث أخرجه الترمذيُّ من حديث عمران بن حُصين ☺ بلفظ: ((إنَّ علياً منِّي وأنا منه، وهو وليُّ كلِّ مؤمن بعدي))، ثمَّ قال: حسنٌ غريب لا نعرفه إلَّا من حديث جعفر بن سليمان.
          وأخرجه أبو القاسم إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم البصري في «فضائل الصحابة» من حديث بُريدة مطولاً قال النَّبي صلعم لي: ((لا تقعْ في عليٍّ فإنَّ علياً مني وأنا منه)).
          ومن حديث الحكم بن عطية:حدَّثنا محمد: أن علي بن أبي طالب وجعفراً وزيداً دخلوا على رسول الله صلعم فقال: ((أما أنت يا جعفرُ فأشبه خلقُك خَلقي، وأنت يا عليُّ فأنت مني وأنا منك)). وفي حديث أبي رافع فقال جبريل ◙: ((وأنا منكما يا رسول الله)).