نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: يفكر الرجل الشيء في الصلاة

          ░18▒ (بابُ تَفَكُّرِ الرَّجُلِ) والتَّقييد بالرَّجل لا مفهوم له؛ لأنَّ المكلَّفين في حكم التفكُّر سواء، والتفكُّر مصدر مضاف إلى فاعله. وقوله: (الشَّيْءَ) بالنصب مفعوله (فِي الصَّلاَةِ) قال المهلَّب: التفكُّر أمر غالب لا يمكن الاحتراز عنه في الصَّلاة، ولا في غيرها لما جعل الله الشَّيطان من السَّبيل على الإنسان، ولكن يفترقُ الحال في ذلك، فإن كان في أمرِ الآخرة والدِّين كان أخفَّ ممَّا يكون في أمر الدُّنيا.
          (وَقَالَ عُمَرُ) بن الخطَّاب (☺: إِنِّي لأُجَهِّزُ جَيْشِي) لأجل الجهاد (وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ) وهذا التَّعليق وصله ابن أبي شيبة عن حفص، عن عاصم، عن أبي عثمان النَّهدي عنه بلفظ: ((إنِّي لأجهِّز جيوشي وأنا في الصَّلاة)).
          قال ابن التِّين: إنَّما هذا فيما يقلُّ فيه التفكُّر كأن يقول: أُجهِّز فلاناً، أُقدِّم فلاناً، أُخرج من العدد كذا وكذا، فيأتي على ما يريد / في أقلِّ شيءٍ من الفكرة، فأمَّا إذا تتابع الفكر وكثُر حتَّى لا يدري كم صلَّى فهذا لاهٍ في صلاته، فتجب عليه الإعادة انتهى.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: وليس هذا الإطلاق على وجهه، وقد جاء عن عمر ☺ ما يأباه، فروى ابن أبي شيبة من طريق عروة بن الزُّبير قال: قال عمر ☺: إنِّي لأحسب جزية البحرين وأنا في الصَّلاة.
          وروى صالح بن أحمد بن حنبل في كتاب «المسائل» عن أبيه من طريق همَّام بن الحارث: أنَّ عمر ☺ صلَّى المغرب فلم يقرأ، فلمَّا انصرف قالوا: يا أمير المؤمنين إنَّك لم تقرأ فقال: إنِّي حدَّثت نفسي وأنا في الصَّلاة بِعِيْرٍ جهَّزتها من المدينة حتَّى دخلت الشَّام، ثمَّ أعاد وأعاد القراءة.
          ومن طريق عياض الأشعري قال: صلَّى عمر ☺ المغرب فلم يقرأ فقال له أبو موسى: إنَّك لم تقرأ، فأقبل على عبد الرَّحمن بن عوف، فقال: صدق فأعاد، فلمَّا فرغ قال: لا صلاةَ ليست فيها قراءة، إنَّما شغلني عِيْرٌ جهَّزتها إلى الشَّام، فجعلت أتفكُّر فيها، وهذا يدلُّ على أنَّه إنَّما أعاد لترك القراءة لا لكونه مستغرقاً في الفكر.
          ويؤيِّد ما روى الطَّحاوي من طريق ضمضم بن جوس، عن عبد الرَّحمن بن حنظلة الرَّاهب: أنَّ عمر ☺ صلَّى المغرب، فلم يقرأ في الرَّكعة الأولى، فلمَّا كان الثَّانية قرأ بفاتحة الكتاب مرَّتين، فلمَّا فرغ وسلَّم سجد سجدتي السَّهو.
          ورجال هذه الآثار ثقات، وهي محمولة على أحوال مختلفة، والأخير كأنَّه مذهب لعمر ☺.