نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا قيل للمصلي: تقدم أو انتظر فانتظر فلا بأس

          ░14▒ (بابٌ) بالتنوين (إِذَا قِيلَ لِلْمُصَلِّي تَقَدَّمْ) أي: قبل رفيقك (أَوِ انْتَظِرْ) أي: تأخَّر عنه، هكذا فسَّره ابن بطَّال، وكأنَّه أخذ ذلك من حديث الباب إذ فيه: فقيل للنِّساء: ((لا ترفعنَّ رؤوسكنَّ حتَّى يستوي الرِّجال جلوساً)) [خ¦1215] فمقتضاه تقدُّم الرِّجال على النِّساء، وتأخرهنَّ عنهم.
          (فَانْتَظَرَ فَلاَ بَأْسَ) واعترض الإسماعيلي على البخاري بقوله: كأنَّه ظنَّ؛ أي: البخاري أنَّ المخاطبة للنِّساء بذلك وقعت وهنَّ في الصَّلاة، وليس كما ظنَّ، بل هو شيء قيل لهنَّ قبل أن يدخلنَ في الصَّلاة.
          وأجاب الحافظ العسقلانيُّ عنه: أنَّ البخاري لم يصرِّح بكون ذلك قيل لهنَّ وهنَّ داخل الصَّلاة، بل مقصوده يحصل بقول ذلك لهنَّ داخل الصَّلاة (1) أو خارجها.
          والَّذي يظهر أنَّ النَّبي صلعم وصاهنَّ بنفسه أو بغيره بالانتظار المذكور قبل أن يدخلنَ في الصَّلاة ليدخلنَ فيها على علم.
          وتعقَّبه العيني: بأنَّ الاعتراض المذكور والجواب المذكور كلاهما واهيان، أمَّا الاعتراض فليس بوارد؛ لأنَّ نفيه ظنَّ البخاريِّ بذلك غير صحيح؛ لأنَّ ظاهر متن الحديث يقتضي ما نسبه إلى البخاري من الظنِّ، بل هو أمر ظاهر، وليس بظنٍّ؛ لأنَّ قوله صلعم : / «فقيل للنِّساء....»، إلى آخره بفاء العطف على ما قبله يقتضي أنَّ هذا القول قيل لهن والنَّاس يصلُّون مع النَّبي صلعم ، فالظَّاهر أنهنَّ كنَّ مع النَّاس في الصَّلاة، وإن كان يحتمل أن يكون هذا القول قيل لهنَّ عند شروعهن في الصَّلاة مع النَّاس، ولا يتلفَّت إلى الاحتمال إذا كان غير ناشئ عن دليل.
          وأمَّا الجواب فكذلك غير سديد؛ لأنَّ قوله: «والَّذي يظهر...» إلى آخره غير ظاهر من التَّرجمة، ولا من الحديث، أمَّا التَّرجمة فلا شيء فيها من الدَّلالة على ذلك.
          وأمَّا متن الحديث فليس فيه إلَّا لفظ «قيل» بصيغة المجهول، فمن أين ظهر أنَّه صلعم هو الذي وصاهنَّ بنفسه أو بغيره، ولا فيه شيء يدلُّ على أنَّ ذلك كان قبل دخولهنَّ في الصَّلاة، بل الذي يظهر من ذلك ما ذكرناه بقضية تركيب الحديث فافهم، فإنَّه بحث دقيق.


[1] قوله: ((بل مقصوده يحصل بقول ذلك لهن داخل الصلاة)): ليس في (خ).