نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من سمى قومًا أو سلم في الصلاة على غيره مواجهةً

          ░4▒ (بابُ) حكم (مَنْ سَمَّى قَوْماً) أي: ذكر أسماءهم في الصَّلاة (أَوْ سَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى غَيْرِهِ مُوَاجَهَةً) بفتح الجيم، نصب على المصدر (وَهُوَ) أي: والحال أنَّه؛ أي: المسلم.
          (لاَ يَعْلَمُ) حكم ذلك بطلاناً وصحَّةً، كذا قاله القسطلانيُّ: يعني والله أعلم أنَّ مقصود المؤلف من هذه التَّرجمة أنَّ شيئاً من ذلك لا يبطل الصَّلاة؛ لأنَّ النَّبي صلعم لم يأمرهم بالإعادة، / وإنَّما علَّمهم ما يستقبلون، وذلك أنَّ ابن مسعود راوي الحديث ☺ كان قد هاجر إلى الحبشة وأصحابه.
          والحال أنَّ الكلام في الصَّلاة جائزٌ، فوقع النَّسخ في غيبتهم ولم يبلغهم، فلمَّا قدموا فعلوا العادة السَّابقة في صلاتهم من مواجهة بعضهم بعضاً ومخاطبتهم، فلمَّا سلَّم نهاهم في المستقبَل وعذرهم لغيبتهم، وجهلهم بالحكم فلم يلزمهم الإعادةَ مع إمكان العلم بأن يسألوا قبل الصَّلاة أحدث أمر أم لا.
          وبهذا يطابق الحديث التَّرجمة فعلم منه أنَّ من فعل هذا جاهلاً لا يفسد صلاته لكن ذلك من الخصائص وإلَّا فلا فرق عند الحنفيَّة (1) بين العالم بالحكم والجاهل به بعدما ثبت الحكم صحَّة وبطلاناً، والله أعلم.
          وليس في التَّرجمة تصريح بجوازٍ ولا بطلان، وكأنَّه ترك ذلك لاشتباه الأمر فيه، كذا قال الحافظ العسقلاني.
          أقول: وقد تقدَّم في باب «ما ينهى من الكلام» [خ¦1199] أنَّه فرق بين الجاهل القريب العهد بالإسلام، وبين البعيد العهد به، وأنَّه فيه خلاف بين الأئمَّة ☼ ولعلَّة هذا لم يصرِّح بشيءٍ من الجواز والبطلان.
          وقال ابن بطَّال: في قوله: وهو لا يعلم؛ أي: المسلَّم عليه لا يسمع السَّلام، انتهى. وفيه بعدٌ لفظاً ومعنى كما لا يخفى.
          ثمَّ إنَّ قوله: «مواجهة»، ثبتت في رواية الكُشميهني والحمويي وكريمة، وسقطت في رواية أبي الوقت والأَصيلي وابن عساكر.
          وحكى ابن رُشَيْد: أنَّ في رواية أبي ذرٍّ عن الحمويي إسقاط الهاء من: «غيره» قال: ويحتمل أن يكون بتنوين «غير» وفتح الجيم من «مواجهة»، وبالنصب فيوافق المعنى الأول، ويحتمل أن يكون بإضافة الغير إلى «مواجَهة» بفتح الجيم أيضاً.
          وقال الكرمانيُّ: وفي بعض النسخ: <على غير مواجِهه> بكسر الجيم على صيغة اسم الفاعل المضاف إلى الضمير، وإضافة الغير إليه.


[1] من قوله: ((فعلم منه... إلى قوله: عند الحنفية)): ليست في (خ).