نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلوات وقبلها

          ░12▒ (بابٌ مَنْ تَطَوَّعَ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَاةِ) أي: في غير عقبها.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: هذا مشعرٌ بأنَّ نفي التطوُّع في السَّفر محمول على ما بعد الصَّلاة خاصَّة فلا يتناول ما قبلها، ولا ما لا تعلُّق له بها من النَّوافل المطلقة كالضُّحى وغير ذلك، والفرق بين ما قبلها وما بعدها أنَّ التطوُّع قبلها لا يظنُّ منها؛ لأنَّه ينفصل عنها بالإقامة وانتظار الإمام غالباً ونحو ذلك بخلاف ما بعدها، فإنَّه في الغالب يتَّصل بها فقد يظنُّ أنَّه منها.
          ونقل النَّووي تبعاً لغيره: أنَّ العلماء اختلفوا في التنفُّل في السَّفر على ثلاثة أقوالٍ: المنع مطلقاً، والجواز مطلقاً، والفرق بين الرَّواتب والمطلقة وهو مذهب ابن عمر ☻ ؛ كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيحٍ عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر ☻ من المدينة إلى مكَّة، فكان يصلِّي تطوُّعاً على دابته حيث ما توجَّهت به، فإذا كانت الفريضة نزل فصلَّى.
          وأغفلوا قولاً رابعاً وهو الفرق بين اللَّيل والنَّهار في المطلَّقة، وخامساً وهو الفرق بين ما قبل الصَّلاة وما بعدها، والله أعلم.
          (وَرَكَعَ النَّبِيُّ صلعم فِي السَّفَرِ رَكْعَتَي الْفَجْرِ) سنَّة الفجر، وَرَدَ ذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصَّة النَّوم عن صلاة الصُّبح ففيه: ((ثمَّ صلَّى ركعتين قبل الصُّبح كما كان يصلِّي))، وعند أبي داود: ((فصلُّوا ركعتي الفجر ثمَّ صلُّوا الفجر)).
          وعند مسلم من حديث أبي هريرة ☺ في هذه القصَّة أيضاً: ((ثمَّ دعا بماء فتوضَّأ، ثمَّ صلَّى سجدتين؛ أي: ركعتين، ثمَّ أقيمت الصَّلاة فصلَّى صلاة الغداة)) الحديث.
          ولابن خزيمة والدَّارقطني من طريق سعيد بن المسيب، عن بلال في هذه القصَّة: ((فأمر بلالاً فأذَّن، ثمَّ توضَّأ فصلُّوا ركعتين ثمَّ صلوا الغداة)).
          ونحوه للدَّارقطني من طريق الحسن، عن عمران بن حصين ☺ قال صاحب «الهدي»: لم يحفظ عن النَّبي صلعم أنَّه صلَّى سنَّة الصَّلاة قبلها ولا بعدها في السَّفر إلَّا ما كان من سنَّة الفجر.
          قال الحافظ العسقلاني: ويردُّ على إطلاقه ما رواه أبو داود والتِّرمذي من حديث البراء بن عازب ☺ / قال: ((سافرت مع رسول الله صلعم ثمانية عشر سفراً، فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشَّمس قبل الظُّهر)) وكأنَّه لم يثبت عنده، لكن التِّرمذي استغربه، ونقل عن البخاري أنَّه رآه حسناً.
          وقد حمله بعض العلماء على سنَّة الزَّوال لا على الرَّاتبة قبل الظُّهر. والله أعلم.