نجاح القاري لصحيح البخاري

باب مشروعية الصلاة في كسوف الشمس

          ░1▒ (بابُ) مشروعيَّة (الصَّلاةِ في كُسُوفِ الشَّمْسِ) واعلم أنَّه لا خلاف في مشروعيَّة صلاة الكسوف والخسوف، وأصل مشروعيَّتها بالكتاب والسنَّة وإجماع الأمَّة.
          أمَّا الكتاب: فقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} [الإسراء:59]، والكسوف آية من آيات الله المخوِّفة، والله تعالى يخوِّف عباده ليتركوا المعاصي، ويرجعوا إلى طاعة الله التي فيها لهم فوز.
          وأمَّا السنَّة: فقوله صلعم : ((إذا رأيتم شيئاً من هذه الآيات فافزعوا إلى الصَّلاة)) [خ¦1059].
          وأمَّا الإجماع: فلأن الأمَّة قد أجمعت عليها من غير نكير، وشُرِط لجوازها ما يُشترط لسائر الصَّلوات، وأنَّها سنَّة مؤكَّدة لفعله صلعم ، وأمره بها كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وليست بواجبة [خ¦1040].
          وقال بعض مشايخنا الحنفيَّة: إنَّها واجبة، ونصَّ في «الأسرار» على وجوبها، وصرَّح أبو عَوانة في «صحيحه» بوجوبها أيضاً.
          وعن مالك: أنَّه أجراها مجرى الجمعة. وقيل: إنَّها فرض كفاية، واستُبعد ذلك، وأنَّها تصلَّى في المسجد الجامع، أو في مصلَّى العيد، وأنَّ وقتها هو الوقت الذي يستحبُّ فيه / سائر الصَّلوات دون الأوقات المكروهة، وبه قال مالك.
          وقال الشَّافعي: لا يكره في الأوقات المكرهة.
          وأمَّا عدد ركعاتها؛ فعند اللَّيث بن سعد ومالك والشَّافعي وأحمد وأبي ثور: ركعتان في كلِّ ركعة ركوعان وسجودان، فتكون الجملة أربع ركوعات، وأربع سجدات في ركعتين. وعند طاوس، وحبيب بن أبي ثابت، وعبد الملك بن جُريج: ركعتان في كلِّ ركعة أربع ركوعات وسجدتان، فتكون الجملة ثمان ركوعات، وأربع سجدات. وحكي هذا عن عليٍّ، وابن عبَّاس ☻ . وعند قتادة، وعطاء بن أبي رباح، وإسحاق، وابن المنذر: ركعتان في كلِّ ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان، فتكون الجملة ست ركوعات، وأربع سجدات.
          وعند سعيد بن جُبير، وإسحاق بن راهويه في رواية، ومحمَّد بن جرير الطَّبري وبعض الشَّافعية: لا توقيت فيها بل يطيل أبداً، ويسجد إلى أن تنجلي الشَّمس.
          وقال القاضي عياض: قال بعض أهل العلم: إنَّما ذاك بحسب مكث الكسوف، فما طال مكثه زاد تكرير الرُّكوع فيه، وما قصر اقتصر فيه، وما توسَّط اقتصد فيه. قال: وإلى هذا نحا الخطَّابي ويحيى وغيرهما.
          وقد يُعتَرض عليه: بأنَّ طولها وقصرها لا يُعلم من أوَّل الحال، ولا في الرَّكعة الأولى.
          وعند إبراهيم النَّخعي وسفيان الثَّوري وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمَّد ▓: هي ركعتان كسائر صلاة التطوُّع في كلِّ ركعة ركوع واحد وسجدتان. ويُروى ذلك عن ابن عمر، وأبي بكرة، وسَمُرة بن جندب، وعبد الله بن عمرو، وقَبيصة الهلالي، والنُّعمان بن بشير، وعبد الرَّحمن بن سَمُرة، وعبد الله بن الزُّبير. ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عبَّاس ☻ .
          وفي «المحيط» عن أبي حنيفة: إن شاؤوا صلُّوها ركعتين وإن شاؤوا أربعاً.
          وفي «البدائع»: وإن شاؤوا أكثر من ذلك، هكذا رواه الحسن عن أبي حنيفة.
          وعند الظاهريَّة: يصلِّي لكسوف الشَّمس خاصَّة إن كسفت في طلوعها إلى أن يصلِّي الظُّهر ركعتين، وإن كسفت من بعد صلاة الظُّهر إلى أخذها الغروب صلَّى أربع ركعات كصلاة الظُّهر والعصر. وفي كسوف القمر خاصة إن كسف بعد صلاة المغرب إلى أن يصلِّي العشاء الأخيرة صلَّى ثلاث ركعات كصلاة المغرب، وإن كسفت بعد صلاة العتمة إلى الصُّبح صلَّى أربع ركعات كصلاة العتمة.
          واحتجُّوا في ذلك بحديث النُّعمان بن بشير / ☺: ((إذا خسفت الشَّمس والقمر، فصلُّوا كأَحْدَث صلاة صلَّيتموها)).