نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}

          ░28▒ (بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}) وجه إدخال هذه التَّرجمة في أبواب الاستسقاء أنَّ هذه / الآية فيمن قال: الاستسقاء بالأنواء على ما روى عبد بن حميد الكشي في «تفسيره» قال: حدَّثني يحيى بن عبد الحميد، عن ابن عيينة، عن عَمرو، عن ابن عبَّاس ☻ : {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] قال: الاستسقاء بالأنواء.
          وفي رواية إسماعيل بن أبي زياد الشَّامي عن الضَّحَّاك عنه: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] قال: وذلك أنَّ النَّبي صلعم مرَّ على رجل، وهو يستقي بقدح له ويصبُّه في قربة من ماء السَّماء، وهو يقول: سقينا بنوء (1) كذا وكذا.
          وفي «صحيح مسلم»: من حديث ابن عبَّاس ☻ قال: مطر النَّاس على عهد رسول الله صلعم فقال بعضُهم: لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآية: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82].
          وذكر أبو العبَّاس في «مقامات التَّنزيل» عن الثَّعلبي: أنَّ النَّبي صلعم عطش أصحابه فاستسقوه، قال: لعلَّكم إن سقيتُم قلتم: سقينا بنوء كذا وكذا، قالوا: والله ما هو بحين الأنواء، فدعا الله فمُطِروا، فمرَّ النَّبي صلعم برجل يغرف من قدح، ويقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، فنزلت.
          ورُوِي عن السدِّي قال: أصابت قريشاً سنة شديدة فسألوا النَّبي صلعم أن يستسقي، فدعا فأُمطِروا فقال بعضهم: مطرنا بنوء كذا وكذا، فنزلت هذه الآية.
          (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ (شُكْرَكُمْ) يعني: أطلق الرِّزق وأريد لازمه، وهو الشُّكر مجازاً، أو أريد شكر رزقكم على حذف المضاف. وقيل: بل الرِّزق في لغة أزد شنوءة يجيء بمعنى الشُّكر، نقله الطَّبري عن الهيثم بن عدي.
          وروى السُّدِّي عن علي ☺: أنَّه كان يقرأها: ▬وتجعلون شكركم↨، وكذا روى عبد بن حميد قال: حَدَّثنا عمر بن سعد، وقَبِيْصة، عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرَّحمن قال: كان علي ☺ يقرأ: ▬وتجعلون شكركم أنكم تكذبون↨.
          وروى سعيد بن المنصور (2)، عن هُشيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس ☻ : أنَّه كان يقرأ: ▬وتجعلون شكركم أنكم تكذبون↨. ولا ينبغي أن يُقرأ بها؛ لكونها من الشَّواذ، لكنَّه يدلُّ على التَّفسير.
          وفي «تفسير أبي القاسم الجوزي»: وتجعلون نصيبكم من القرآن أنكم تكذبون. والمعنى: وتجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون بمعطيه، وتقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا.


[1] في هامش الأصل: النوء: سقوط نجم من المنازل.
[2] كذا في العمدة، وهو سعيد بن منصور بن شعبة الجوزجاني، مات سنة 227، صاحب التفسير والسنن.