إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من هذا السائق؟

          6148- به قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) أبو رجاءٍ الثَّقفيُّ قال: (حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) بالحاء المهملة، الكوفيُّ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ) مولى سلمة ابن الأكوع (عَنْ سَلَمَةَ ابْنِ الأَكْوَعِ) ☺ ، أنَّه (قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْنَا لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ) هو أسيدُ بن حضير (لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ) وهو عامرُ بن سنان بنِ عبد الله بنِ قشيرٍ الأسلميُّ، المعروفُ بابن الأكوع عمِّ سلمةَ بن الأكوع، واسم الأكوع سِنان، ويقال: أخوه (أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟) بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية وبعد الهاء ألف ففوقية فكاف، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”هنيَّاتك“ بتحتية مشددة مفتوحة بدلًا من الهاء الثانية، أي: من كلماتكَ، أو من أراجيزكَ (قَالَ) سلمةُ ابن الأكوع: (وَكَانَ عَامِرٌ) أي: ابنُ الأكوع (رَجُلًا(1) شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالقَوْمِ) حال كونه (يَقُولُ) قال في «الأساس»: حَدَا الإبلَ حَدْوًا، وهو حَادِي الإبلِ، وهُم حُدَاتها، وحَدَا بها حُداءً، إذا غنَّى لها. وقال في «الفتح»: يؤخذُ منه جميعُ التَّرجمة؛ لاشتمالهِ على الشِّعر، والرَّجز والحُدَاء، ويُؤخذ منه أنَّ الرَّجز من جملة الشِّعر، وقول السَّفاقِسيِّ‼: إن قوله: (اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا) ليس بشعرٍ ولا رجزٍ لأنَّه ليس بموزونٍ، ليس كذلك بل(2) هو رَجزٌ موزون، وإنَّما زيد في أوَّله سببٌ خفيفٌ ويسمَّى الخزم _بالمعجمتين_. وقال في «الكواكب»: الموزون / : لا همُّ، وقوله: لولا أنتَ ما اهتدينا، كقولهِ: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ}[الأعراف:43] (وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا. فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ) بكسر الفاء والمد مرفوعٌ منوَّنٌ في الفرع. قال المازريُّ: لا يقال لله: فداءً لك؛ لأنَّها كلمة إنَّما تستعملُ لتوقع(3) مَكروه بشخصٍ، فيختارُ شخصٌ آخرُ أن يحلَّ به دون ذلك الآخرِ، ويفديهِ فهو مجازٌ عن الرِّضا، كأنَّه قال: نفسِي مبذولةٌ لرضاكَ، أو وقعتْ هنا مخاطبة لسامع الكلام، وقولهِ: (مَا اقْتَفَيْنَا) ما اتَّبعنا أثرهُ. وقال ابن بطَّال: المعنى: اغفرْ لنا ما ارتكبنَا من الذُّنوب، وفداء لك دعاء، أي: افدِنا من عقابكَ على ما اقترفنَا من ذنوبنَا، كأنَّه قال: اغفرْ لنا وافدنا فداء لك، أي: من عندكَ فلا تعاقبنا به، وحاصلُه: أنَّه جعل اللَّام للتَّبين مثل: {هَيْتَ لَكَ}[يوسف:23] (وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا) العدوَّ، كقولهِ تعالى: {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا}[البقرة:250] (وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا) مثل قولهِ: {فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[الفتح:26] (إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا) بكسر الصاد المهملة وسكون التحتية بعدها حاء مهملة، أي: إذا دُعينا للقتال (أَتَيْنَا) من الإتيان (وَبِالصِّيَاحِ) بالصَّوت العالي والاستغاثةِ (عَوَّلُوا عَلَيْنَا) لا بالشَّجاعة (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، فَقَالَ) صلعم : (يَرْحَمُهُ اللهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ) هو: عُمر بن الخطَّاب ☺ (وَجَبَتْ) له الشَّهادة (يَا نَبِيَّ اللهِ) لأنَّه صلعم ما كان يدعو لأحدٍ بالرَّحمة يخصُّه بها إلَّا استشهدَ (لَوْلا) هلا (أَمْتَعْتَنَا) أبقيتَه لنا لنتمتَّع (بِهِ) ولغير أبي ذرٍّ: ”لو أمتعتَنَا“(4) (قَالَ) سلمة: (فَأَتَيْنَا) أهل (خَيْبَرَ، فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا) ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: ”فأصابتْنَا(5)“ (مَخْمَصَةٌ) مجاعةٌ (شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ) تعالى (فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ) حِصنًا حصنًا (فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ اليَوْمَ) ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: ”مساء اليوم“ (الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا): نُوقدها (عَلَى لَحْمٍ. قَالَ) صلعم : (عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟) أي: على أيِّ أنواع اللُّحوم (قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ) بكسر الهمزة وسكون النون، وللكُشميهنيِّ: ”الحمر“، ولأبي ذرٍّ:”الأَنَسيَّة“ بإثبات ”ال“ فيهما وفتح نون الأنسيَّة والهمزة(6) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَهْرِقُوهَا) بفتح الهمزة وسكون الهاء وبعد الراء المكسورة قاف من غير تحتية بينهما، في الفرع وأصله(7)، ولأبي ذرٍّ: ”هَرِيْقوها“ بإسقاطِ الهمزةِ وفتح الهاء وإثبات تحتية ساكنة بعد الرَّاء، ففي الرِّواية الأولى الهاء زائدةٌ، وفي الأُخرى منقلبةٌ عن‼ الهمزةِ، أي: صبُّوها (وَاكْسِرُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ) لم يُسمَّ، أو هو عمر: (يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ) بسكون الواو (نُهَرِيقُهَا) بضم النون وإثبات التحتية بعد الراء (وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ) صلعم : (أَوْ ذَاكَ) بسكون الواو، أي: الغسلُ (فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ) للقتالِ (كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ) أي: ابن الأكوع (فِيهِ قِصَرٌ) بكسر القاف وفتح الصاد (فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا) وفي «غزوة خيبر» ساق يهوديٍّ [خ¦4196] (لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ) بلفظ المضارع، ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: ”فرجعَ“ بالفاء(8) ولفظ الماضي (ذُبَابُ سَيْفِهِ) أي: طرفهِ الأعلى، أو حدِّه (فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا) رجعوا من خيبر (قَالَ سَلَمَةُ) ابن الأكوعِ: (رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلعم شَاحِبًا) بالشين المعجمة وبعد الألف حاء مهملة مكسورة فموحدة، متغيِّر اللَّون (فَقَالَ لِي: مَا لَكَ) متغيِّرًا؟ (فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ) بكسر الموحدة؛ لكونه قتلَ نفسهُ (قَالَ) صلعم : (مَنْ قَالَهُ؟ قُلْتُ: قَالَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ) ثلاثًا (وَأُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ) بضم الهمزة، و«الحُضَير» بضم المهملة وفتح الضاد المعجمة، ولأبي ذرٍّ: ”حضير“ (الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ) أجرُ الجهد في الطَّاعة، وأجر الجهادِ في سبيل الله (_وَجَمَعَ) صلعم (بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ_ إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ) بكسر الهاء فيهما (قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ) بالنون والشين المعجمة والهمزة، ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: ”مشى“ بالميم والمعجمة والقصر (بِهَا) بالمدينة / ، أو الحربِ، أو الأرضِ (مِثْلَهُ) أي: مثلُ عامرٍ.
          والحديثُ سبق في «غزوة خيبرَ» [خ¦4196].


[1] قوله: «رجلًا»: ليس في (د).
[2] في (ع): «وإنما».
[3] في (ص): «متوقع».
[4] قوله: «ولغير أبي ذر لو أمتعتنا»: ليس في (د).
[5] في (د): «فأصبنا».
[6] قوله: «وفتح نون الأنسية والهمزة»: ليس في (د).
[7] «وأصله»: ليست في (ع).
[8] في (د): «بلفظ الفاء».