إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز

          6110- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابنُ مسرهَدٍ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيدٍ القطَّان (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ) الكوفيِّ الحافظ، أنَّه قال: (حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ) البجليُّ التَّابعيُّ الكبير (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) عقبة بن عامر البدريِّ / ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: أَتَى رَجُلٌ) اسمه: حزم بن أبيِّ ابن كعب، أو سُلَيم (النَّبِيَّ صلعم فَقَالَ: إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ) حضور الجماعة في (صَلَاةِ الغَدَاةِ) وهي الصُّبح (مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ) معاذ، أو أُبي بن كعبٍ (مِمَّا يُطِيلُ بِنَا) الباء في: «بنا» باء التَّعدية، و«من» في: «من أجل»، لابتداء الغاية، أي: ابتداء تأخُّري لأجل إطالةِ فلان، وفلانٌ كنايةٌ عن العَلَم. قال ابنُ الحاجبِ: وفلان وفلانة كنايةٌ عن أسماء الأناسِي وهي أعلامٌ، والدَّليل على علميَّتها منع صرفِ فلانة، وليس فيه إلَّا التَّأنيث، والتَّأنيث لا يمنعُ إلَّا مع العلميَّة، ولأنَّه(1) يمتنعُ(2) دخول الألف واللام عليه. انتهى. وفلانة _كما قال_ ممتنعٌ، وفلانٌ منصرفٌ، وإن كان فيه العلميَّة لتخلُّف السَّبب الثَّاني، والألف والنون فيه ليستا زائدتين، بل هو موضوعٌ هكذا (قَالَ) أبو مسعود: (فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم قَطُّ)‼ غضب غضبًا (أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ) أي: أشدَّ من غضبه صلعم (يَوْمَئِذٍ) وأشدَّ لا ينصرف للوزن والصِّفة، و«قَطُّ» بفتح القاف وضم الطاء مشددة، ظرف زمان لاستغراق ما مضى، يختصُّ بالنَّفي، ولا يجوزُ دخولها على فعلِ الحالِ، ولَحَن من قال: لا(3) أفعله قطُّ. وقال ابن مالكٍ في «شواهد التوضيح»: قد يستعملُ قط غير مسبوقةٍ بنفي، وهو ممَّا خَفِي على كثيرٍ من النَّحويين؛ لأنَّ المعهود استعمالها لاستغراق الزَّمان الماضي بعدَ نفي نحو: ما فعلته قطُّ، وقد جاء في حديث حارثةَ بن وهبٍ: صلَّى بنا رسول الله صلعم ونحن أكثر ما كنَّا قط [خ¦1656]. قال في «العمدة»: ويحتمل أن يكون الكلام بمعنى النَّفي، والتَّقدير: ونحن ما كنَّا قطُّ أكثر منا(4) يومئذٍ (قَالَ) أبو مسعود(5): (فَقَالَ) صلعم : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ) للنَّاس عن(6) حضور الجماعة (فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ) أي: فليخفِّف، و«ما» زائدة للتَّأكيد (فَإِنَّ فِيهِمُ) في النَّاس (المَرِيضَ وَ) الشَّيخ (الكَبِيرَ، وَذَا الحَاجَةِ) أي: صاحبها الَّذي يخشى فواتها لو طوَّل(7)، فيصيرُ ملتفتًا لحاجته(8)، فيتضرَّر إمَّا بفواتها، أو بتركِ الخشوعِ والخضوع.
          والحديثُ سبقَ في «صلاة الجماعة» [خ¦704].


[1] في (ع): «لا»، وفي (د): «ولا».
[2] في (د): «يمنع من».
[3] في (ع) و(د): «ما».
[4] في (ع): «ما كنا»، وفي (ص): «يومنا».
[5] قوله: «قال أبو مسعود»: ليس في (ص).
[6] في (د): «من».
[7] في (ص): «لطول».
[8] في (د): «إلى حاجته».