إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال

          6077- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمامُ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ) المدنيِّ، نزيل الشَّام (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) خالد بنِ زيد(1) (الأَنْصَارِيِّ) ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ) في الإسلامِ (فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) بأيَّامها(2)، وظاهره _كما مرَّ_ [خ¦6073] إباحةُ ذلك في الثَّلاث لأنَّ الغالب أنَّ ما جُبل عليه الإنسانُ من الغضبِ وسوءِ الخلق يزولُ من المؤمن أو يقلُّ بعد الثَّلاث، والتَّعبير بأخيهِ فيه إشعارٌ بالعلِّية (يَلْتَقِيَانِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فيلتقيان“ بزيادة فاء في أوَّله (فَيُعْرِضُ هَذَا) عن أخيهِ المسلم (وَيُعْرِضُ هَذَا) الآخر كذلك، و«يُعرض» بضم التحتية فيهما، والجملة استئنافيَّة بيان لكيفيَّة الهجران، ويجوزُ أن يكون حالًا من فاعلِ(3) «يهجرُ» ومفعوله معًا (وَخَيْرُهُمَا / الَّذِي يَبْدَأُ(4)) أخاهُ (بِالسَّلَامِ) عطفٌ على الجملةِ السَّابقة من حيثُ المعنى لِمَا يُفهم منها أنَّ ذلك الفعل ليس بخيرٍ، وعلى القولِ بأنَّ الأولى حالٌ، فهذه الثَّانية عطفٌ على قولهِ: لا يحلُّ. وزاد الطَّبرانيُّ من طريقٍ أُخرى عن الزُّهريِّ _بعد قولهِ: بالسَّلام_ «يسبق إلى الجنَّة». ولأبي داود بسندٍ صحيحٍ عن أبي هريرة ☺ «فإن مرَّت به ثلاث فلقيهُ فليسلِّم(5) عليه، فإن ردَّ فقد اشتركا في الأجرِ، وإن لم يرُدَّ فقد باءَ بالإثمِ، وخرج المسلِّمُ من الهجرة». وقال في «المصابيح»: حاول بعض النَّاس أن يجعلَ هذا دليلًا على فرعٍ ذكروا أنَّه مُستثنى من القاعدةِ المشهورة، وهي أنَّ الفرضَ أفضلُ من النَّفل، وهذا الفرعُ المستثنى هو الابتداء بالسَّلام فإنَّه سنَّة والردُّ واجبٌ. قال بعض النَّاس: والابتداءُ‼ أفضل لقولهِ صلعم : «وخيرُهما الَّذي يبدأُ بالسَّلام». واعلم أنَّه ليس في الحديث أنَّ الابتداءَ خيرٌ من الجواب، وإنَّما فيه أنَّ المبتدئ خيرٌ من المجيب، وهذا لأنَّ المبتدئ فعل حسنةً وتسبَّب إلى فعل حسنةٍ، وهي الجواب مع ما دلَّ عليه الابتداءُ من حُسِن طويَّة المبتدئ، وترك ما يكرهه الشَّارع من الهجرِ والجفاءِ، فإنَّ الحديث وردَ في المسلِمَين «يلتقيانِ فيُعرض هذا ويعرضُ هذا»، وكان المبتدئُ خيرًا من حيث إنَّه مبتدئٌ بتركِ ما كرههِ الشَّارع من التَّقاطع لا من حيث إنَّه يسلِّم. انتهى.
          وقال الأكثرون: تزولُ الهجرة بمجرَّد السَّلام وردِّه، وقال الإمام أحمدُ: لا يبرأُ من الهجرة إلَّا بعودهِ إلى الحال الَّتي كان عليها أوَّلًا.


[1] في (د) و(ص) و(ع): «يزيد» وهو خطأ.
[2] في (ج) و(د): «بلياليها». وكتب على هامش (ج) الأولى بأيامها.
[3] قوله: «فاعل»: ليس في (ص) و(ع) و(ج) و(ل).
[4] في (ص): «بدأ».
[5] في (ع) و(ص): «فسلم».